للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَخْلُوقٍ وَالنَّذْرُ لِلْمَخْلُوقِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَالْعِبَادَةُ لَا تَكُونُ لِلْمَخْلُوقِ وَمِنْهَا أَنَّ الْمَنْذُورَ لَهُ مَيِّتٌ وَالْمَيِّتُ لَا يَمْلِكُ وَمِنْهَا إنْ ظَنَّ أَنَّ الْمَيِّتَ يَتَصَرَّفُ فِي الْأُمُورِ دُونَ اللَّهِ تَعَالَى وَاعْتِقَادُهُ ذَلِكَ كُفْرٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ قَالَ يَا اللَّهُ إنِّي نَذَرْت لَك إنْ شَفَيْت مَرِيضِي، أَوْ رَدَدْت غَائِبِي أَوْ قَضَيْت حَاجَتِي أَنْ أُطْعِمَ الْفُقَرَاءَ الَّذِينَ بِبَابِ السَّيِّدَةِ نَفِيسَةَ، أَوْ الْفُقَرَاءَ الَّذِينَ بِبَابِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، أَوْ الْإِمَامِ اللَّيْثِ، أَوْ أَشْتَرِي حُصْرًا لِمَسَاجِدِهِمْ، أَوْ زَيْتًا لِوَقُودِهَا أَوْ دَرَاهِمَ لِمَنْ يَقُومُ بِشَعَائِرِهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ فِيهِ نَفْعٌ لِلْفُقَرَاءِ وَالنَّذْرُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَذِكْرُ الشَّيْخِ إنَّمَا هُوَ مَحَلٌّ لِصَرْفِ النَّذْرِ لِمُسْتَحِقِّيهِ الْفَاطِنِينَ بِرِبَاطِهِ، أَوْ مَسْجِدِهِ، أَوْ جَامِعِهِ فَيَجُوزُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ إذْ مَصْرِفُ النَّذْرِ الْفُقَرَاءُ وَقَدْ وُجِدَ الْمَصْرِفُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ ذَلِكَ لِغَنِيٍّ غَيْرِ مُحْتَاجٍ وَلَا لِشَرِيفٍ مُنَصَّبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الْأَخْذُ مَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا، أَوْ فَقِيرًا وَلَا لِذِي النَّسَبِ لِأَجْلِ نَسَبِهِ مَا لَمْ يَكُنْ فَقِيرًا وَلَا لِذِي عِلْمٍ لِأَجْلِ عِلْمِهِ مَا لَمْ يَكُنْ فَقِيرًا وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الشَّرْعِ جَوَازُ الصَّرْفِ لِلْأَغْنِيَاءِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى حُرْمَةِ النَّذْرِ لِلْمَخْلُوقِ وَلَا يَنْعَقِدُ وَلَا تَشْتَغِلُ الذِّمَّةُ بِهِ وَلِأَنَّهُ حَرَامٌ بَلْ سُحْتٌ وَلَا يَجُوزُ لِخَادِمِ الشَّيْخِ أَخْذُهُ وَلَا أَكْلُهُ وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا، أَوْ لَهُ عِيَالٌ فُقَرَاءُ عَاجِزُونَ عَنْ الْكَسْبِ وَهُمْ مُضْطَرُّونَ فَيَأْخُذُونَهُ عَلَى سَبِيلِ الصَّدَقَةِ الْمُبْتَدَأَةِ فَأَخْذُهُ أَيْضًا مَكْرُوهٌ مَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ النَّاذِرُ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَصَرْفَهُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَيُقْطَعُ النَّظَرُ عَنْ نَذْرِ الشَّيْخِ فَإِذَا عَلِمْت هَذَا فَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالشَّمْعِ وَالزَّيْتِ وَغَيْرِهَا وَيُنْقَلُ إلَى ضَرَائِحِ الْأَوْلِيَاءِ تَقَرُّبًا إلَيْهِمْ فَحَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ مَا لَمْ يَقْصِدُوا بِصَرْفِهَا لِلْفُقَرَاءِ الْأَحْيَاءِ قَوْلًا وَاحِدًا اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَا قَضَاءَ إنْ شَرَعَ فِيهَا فَأَفْطَرَ) أَيْ إنْ شَرَعَ فِي صَوْمِ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ كَالنَّذْرِ وَصَارَ كَالشُّرُوعِ فِي الطَّلَاقِ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ يُسَمَّى صَائِمًا حَتَّى يَحْنَثَ بِهِ الْحَالِفُ عَلَى الصَّوْمِ فَيَصِيرُ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ فَيَجِبُ إبْطَالُهُ وَلَا تَجِبُ صِيَانَتُهُ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ يُبْتَنَى عَلَيْهِ وَلَا يَصِيرُ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ بِنَفْسِ النَّذْرِ وَهُوَ الْمُوجِبُ وَلَا بِنَفْسِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يُتِمَّ رَكْعَةً وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ بِهِ الْحَالِفُ عَلَى الصَّلَاةِ فَيَجِبُ صِيَانَةُ الْمُؤَدَّى فَيَكُونُ مَضْمُونًا بِالْقَضَاءِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ فِي فَصْلِ الصَّلَاةِ أَيْضًا وَالْأَظْهَرُ هُوَ الْأَوَّلُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّحْرِيرِ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ بَعْدَ السَّجْدَةِ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا وَالْجَوَابُ مُطْلَقٌ فِي الْوُجُوبِ وَحِينَئِذٍ فَالْوَجْهُ أَنْ لَا يَصِحَّ الشُّرُوعُ لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ مِنْ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَلَا مَخْلَصَ إلَّا بِجَعْلِ الْكَرَاهَةِ تَنْزِيهِيَّةً. اهـ.

وَلَنَا مَخْلَصٌ مَعَ جَعْلِهَا تَحْرِيمِيَّةً كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ بِأَنْ يُقَالَ لَمَّا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَكُنْ مُرْتَكِبًا لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ وَحَرُمَ الْقَطْعُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] فَلَمَّا قَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ حَرُمَ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فَتَعَارَضَ مُحَرَّمَانِ وَمَعَ أَحَدِهِمَا وُجُوبٌ فَتُقَدَّمُ حُرْمَةُ الْقَطْعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

(بَابُ الِاعْتِكَافِ) ذَكَرَهُ بَعْدَ الصَّوْمِ لِمَا أَنَّهُ مِنْ شَرْطِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَالشَّرْطُ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَهُوَ لُغَةً افْتِعَالٌ مِنْ عَكَفَ إذَا دَامَ مِنْ بَابِ طَلَبَ وَعَكَفَهُ حَبَسَهُ وَمِنْهُ {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا} [الفتح: ٢٥] وَسُمِّيَ بِهِ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّهُ إقَامَةٌ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ شَرَائِطَ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الصِّحَاحِ الِاعْتِكَافُ الِاحْتِبَاسُ وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ فَمَصْدَرُهُ الْعَكْفُ وَلَازِمٌ فَمَصْدَرُهُ الْعُكُوفُ فَالْمُتَعَدِّي بِمَعْنَى الْحَبْسِ وَالْمَنْعِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا} [الفتح: ٢٥] وَمِنْهُ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ وَأَمَّا اللَّازِمُ فَهُوَ الْإِقْبَالُ عَلَى الشَّيْءِ بِطَرِيقِ الْمُوَاظَبَةِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَتُقَدَّمُ حُرْمَةُ الْقَطْعِ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا يَقْتَضِي حُرْمَةَ الْقَطْعِ بَعْدَ التَّقْيِيدِ بِالسَّجْدَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ.

وَقَالَ الرَّمْلِيُّ قَوْلُهُ فَتَعَارَضَ مُحَرَّمَانِ إلَخْ قَدَّمَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ قَوْلَهُ وَمَنَعَ عَنْ الصَّلَاةِ إلَخْ أَنَّهُ يَجِبُ قَطْعُهُ وَقَضَاؤُهُ فِي غَيْرِ مَكْرُوهٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ أَتَمَّهُ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا لَزِمَهُ بِذَلِكَ الشُّرُوعِ وَفِي الْمَبْسُوطِ الْقَطْعُ أَفْضَلُ وَالْأَوَّلُ هُوَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ فَقَوْلُهُ هُنَا وَمَعَ أَحَدِهِمَا وُجُوبٌ فَتُقَدَّمُ حُرْمَةُ الْقَطْعِ يَعْنِي ارْتِكَابًا فَيَجِبُ الْقَطْعُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ هَذَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وُجُوبٌ فَكَمَا يَجِبُ الْإِتْمَامُ يَجِبُ الْقَطْعُ وَكَمَا يَحْرُمُ الْإِتْمَامُ يَحْرُمُ الْقَطْعُ وَقَدْ فَهِمَ صَاحِبُ النَّهْرِ مِنْ قَوْلِهِ فَتُقَدَّمُ حُرْمَةُ الْقَطْعِ أَنَّهُ يَحْرُمُ الْقَطْعُ فَلَا يَقْطَعُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فِي الْفَهْمِ بَلْ يُعِيدُ مَعَ قَوْلِهِ فَلَمَّا قَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ حَرُمَ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ وَمَا فَهِمْنَاهُ مِنْهُ مُتَعَيِّنٌ وَاللَّفْظُ قَابِلٌ لَهُ إذْ مَعْنَى قَوْلِهِ فَتُقَدَّمُ حُرْمَةُ الْقَطْعِ يَعْنِي ارْتِكَابًا لِوُجُوبِهِ لَا حَقِيقَةَ حُرْمَتِهِ عَلَى حُرْمَةِ الْإِتْمَامِ تَأَمَّلْ.

[بَابُ الِاعْتِكَافِ]

<<  <  ج: ص:  >  >>