للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّوْمَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ لَكِنْ وَقَعَ لِصَاحِبِ الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ قَالَ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجُوزُ النَّفَلُ مِنْ الِاعْتِكَافِ مِنْ غَيْرِ صَوْمٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ بِنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ فَهُوَ مُعْتَكِفٌ مَا أَقَامَ تَارِكٌ لَهُ إذَا خَرَجَ وَظَاهِرُهُ أَنْ مُسْتَنَدَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهُ صَرِيحًا آخَرَ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِنَقْلِ الثِّقَاتِ وَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ وَأَمَّا اعْتِكَافُ التَّطَوُّعِ فَالصَّوْمُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ شَرْطٌ وَاخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي اعْتِكَافِ التَّطَوُّعِ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِيَوْمٍ، أَوْ غَيْرُ مُقَدَّرٍ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَلَمْ يَكُنْ الصَّوْمُ شَرْطًا؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ مُقَدَّرٌ بِيَوْمٍ إذْ صَوْمُ بَعْضِ الْيَوْمِ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فَلَا يَصْلُحُ شَرْطًا لِمَا لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ. اهـ.

وَهِيَ تُفِيدُ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ مَرْوِيٌّ لَا مُسْتَنْبَطٌ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي النَّفْلِ ثُمَّ قَطَعَهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَلَمْ يَكُنْ قَطْعُهُ إبْطَالًا وَقَدْ ذَكَرُوا فِي الْحَيْضِ أَنَّ السَّاعَةَ اسْمٌ لِقِطْعَةٍ مِنْ الزَّمَنِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَلَا يَخْتَصُّ بَخَمْسَةَ عَشَرَ دَرَجَةً كَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْمِيقَاتِ فَكَذَا هُنَا وَأَطْلَقَ فِي الْمَسْجِدِ فَأَفَادَ أَنَّ الِاعْتِكَافَ يَصِحُّ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَصَحَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧]

وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ لَهُ أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ وَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تَخْصِيصُهُ بِالْوَاجِبِ أَمَّا فِي النَّفْلِ فَيَجُوزُ فِي غَيْرِ مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَصَحَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كُلَّ مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ وَمُؤَذِّنٌ مَعْلُومٌ وَيُصَلِّي فِيهِ الْخَمْسَ بِالْجَمَاعَةِ يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِيهِ وَفِي الْكَافِي أَرَادَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ غَيْرَ الْجَامِعِ فَإِنَّ الْجَامِعَ يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُصَلُّوا فِيهِ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا وَيُوَافِقُهُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ الْفَتَاوَى يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِي الْجَامِعِ وَإِنْ لَمْ يُصَلُّوا فِيهِ بِالْجَمَاعَةِ وَهَذَا كُلُّهُ لِبَيَانِ الصِّحَّةِ وَأَمَّا الْأَفْضَلُ فَأَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ مَسْجِدُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ مَسْجِدُ الْجَامِعِ ثُمَّ الْمَسَاجِدُ الْعِظَامُ الَّتِي كَثُرَ أَهْلُهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُجَاوِرَةَ بِمَكَّةَ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْكَرَاهَةُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ الْأَفْضَلُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مُرَادَهُمْ الِاعْتِكَافُ فِيهِ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْمَسْأَلَةِ.

(قَوْلُهُ: وَالْمَرْأَةُ تَعْتَكِفُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا) يُرِيدُ بِهِ الْمَوْضِعَ الْمُعَدَّ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ اعْتَكَفَتْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ صَلَاتِهَا مِنْ بَيْتِهَا سَوَاءٌ كَانَ لَهَا مَوْضِعٌ مُعَدٍّ أَوَّلًا لَا يَصِحُّ اعْتِكَافُهَا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ تَعْتَكِفُ دُونَ أَنْ يَقُولَ يَجِبُ عَلَيْهَا إلَى أَنَّ اعْتِكَافَهَا فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا أَفْضَلُ فَأَفَادَ أَنَّ اعْتِكَافَهَا فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ جَائِزٌ وَهُوَ مَكْرُوهٌ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَصَحَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ وَظَاهِرُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ اعْتِكَافَهَا فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَالْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْفَضِيلَةِ لَا نَفْيِ الْجَوَازِ وَأَشَارَ بِجَعْلِهِ كَالْمَسْجِدِ إلَى أَنَّهَا لَوْ خَرَجَتْ مِنْهُ، وَلَوْ إلَى بَيْتِهَا بَطَلَ اعْتِكَافُهَا إنْ كَانَ وَاجِبًا وَانْتَهَى إنْ كَانَ نَفْلًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهَا تُثَابُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَهَكَذَا فِي الرَّجُلِ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ نَذَرَتْ الْمَرْأَةُ اعْتِكَافَ شَهْرٍ فَحَاضَتْ تَقْضِي أَيَّامَ حَيْضِهَا مُتَّصِلًا بِالشَّهْرِ وَإِلَّا اسْتَقْبَلَتْ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تَعْتَكِفُ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا إنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ وَلَوْ وَاجِبًا وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الِاعْتِكَافِ فَأَرَادَتْ أَنْ تَعْتَكِفَ مُتَتَابِعًا فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَأْمُرَهَا بِالتَّفْرِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا فِي الِاعْتِكَافِ مُتَتَابِعًا لَا نَصًّا وَلَا دَلَالَةً، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا فِي اعْتِكَافِ شَهْرٍ، أَوْ صَوْمِ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَاعْتَكَفَتْ، أَوْ صَامَتْ فِيهِ مُتَتَابِعًا لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهَا فِي التَّتَابُعِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ مُتَتَابِعٌ وُقُوعًا.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا لِحَاجَةٍ شَرْعِيَّةٍ كَالْجُمُعَةِ أَوْ طَبِيعِيَّةٍ.

ــ

[منحة الخالق]

فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَ فِي الْمَسْجِدِ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ قَبْلَ قَوْلِهِ وَأَقَلُّهُ نَفْلًا سَاعَةٌ وَقَوْلُهُ فَأَفَادَ أَنَّ الِاعْتِكَافَ إلَخْ قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ فَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَيَصِحُّ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ لَهُ أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ هُوَ الصَّحِيحُ وَهَذَا هُوَ مَسْجِدُ الْجَمَاعَةِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّ صِحَّتَهُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ. قَوْلُهُمَا وَهَذَا الْكِتَابُ لَمْ يُوضَعْ إلَّا لِبَيَانِ أَقْوَالِ الْإِمَامِ نَعَمْ اخْتَارَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَهُمَا اهـ.

قَالَ الرَّمْلِيُّ مَا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْسَرُ خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُجَاوَرَةَ بِمَكَّةَ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا ادَّعَى أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاعْتِكَافِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْمَوْسِمِ الْمُجَاوَرَةُ بَلْ قَدْ يَكُونُ خَالِيًا عَنْهَا فِيمَنْ كَانَ حَوْلَ مَكَّةَ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَيْضًا مِنْ كَرَاهَةِ الْمُجَاوَرَةِ كَوْنُ اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ لَيْسَ أَفْضَلُ أَلَا تَرَى إلَى أَنَّ الصَّلَوَاتِ وَنَحْوَهَا مِنْ الْمُجَاوِرِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا اهـ.

وَاسْتَظْهَرَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ.

[أعتكاف الْمَرْأَةُ]

(قَوْلُهُ وَهُوَ مَكْرُوهٌ)

<<  <  ج: ص:  >  >>