للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْوَسَطِ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ مُخَالِفٌ لِلْمُفْتَى بِهِ فِيهَا فَإِنَّ الْفَتْوَى اعْتِبَارُ حَالِهِمَا وَالْوَسَطُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا غَنِيًّا وَالْآخَرُ فَقِيرًا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ النَّفَقَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ نَفَقَةِ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الشَّرْطِ قُدْرَتُهُ عَلَى نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ بَعْدَ عَوْدِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ نَفَقَةِ يَوْمٍ وَقِيلَ شَهْرٍ وَالْأَوَّلُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَدَخَلَ تَحْتَ نَفَقَةِ عِيَالِهِ سُكْنَاهُمْ وَنَفَقَتُهُمْ وَكِسْوَتُهُمْ فَإِنَّ النَّفَقَةَ تَشْمَلُ الطَّعَامَ وَالْكِسْوَةَ وَالسُّكْنَى وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مِنْ الشَّرَائِطِ الْوَقْتُ أَعْنِي أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِمَا ذَكَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ حَتَّى لَوْ مَلَكَ مَا بِهِ الِاسْتِطَاعَةُ قَبْلَهَا كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ صَرْفِهَا إلَى غَيْرِهِ وَأَفَادَ هَذَا قَيْدًا فِي صَيْرُورَتِهِ دَيْنًا افْتَقَرَ هُوَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَمْ يَحُجَّ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ قَادِرًا وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ إنْ كَانُوا يَخْرُجُونَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ أَوْ كَانَ قَادِرًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إنْ كَانُوا يَخْرُجُونَ فِيهَا وَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى افْتَقَرَ تَقَرَّرَ دَيْنًا وَإِنْ مَلَكَ فِي غَيْرِهَا وَصَرَفَهَا إلَى غَيْرِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

(قَوْلُهُ: وَأَمْنُ طَرِيقٍ) أَيْ وَبِشَرْطِ أَمْنِ طَرِيقٍ يَعْنِي وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ مُخِيفًا فِي غَيْرِهِ وَحَقِيقَةُ أَمْنِ الطَّرِيقِ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةَ كَمَا اخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَمَا أَفْتَى بِهِ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ مِنْ سُقُوطِ الْحَجِّ عَنْ أَهْلِ بَغْدَادَ وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ لَا أَقُولُ: الْحَجُّ فَرِيضَةٌ فِي زَمَانِنَا قَالَهُ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ وَقَوْلُ الثَّلْجِيِّ لَيْسَ عَلَى أَهْلِ خُرَاسَانَ حَجٌّ مُذْ كَذَا وَكَذَا سَنَةَ كَانَ وَقْتَ غَلَبَةِ النَّهْبِ وَالْخَوْفِ فِي الطَّرِيقِ فَلَا يُعَارِضُ مَا ذَكَرْنَا وَمَا قَالَهُ الصَّفَّارُ مِنْ إنِّي لَا أَرَى الْحَجَّ فَرْضًا مِنْ حِينِ خَرَجَتْ الْقَرَامِطَةُ وَمَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنَّ الْحَاجَّ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الْحَجِّ إلَّا بِالرِّشْوَةِ لِلْقَرَامِطَةِ وَغَيْرِهِمْ فَتَكُونُ الطَّاعَةُ سَبَبًا لِلْمَعْصِيَةِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْخَوَارِجِ كَانُوا يَسْتَحِلُّونَ قَتْلَ الْمُسْلِمِينَ وَأَخْذَ أَمْوَالِهِمْ وَكَانُوا يَغْلِبُونَ عَلَى أَمَاكِنَ وَيَتَرَصَّدُونَ لِلْحَاجِّ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَخْذِهِمْ الرِّشْوَةَ فَالْإِثْمُ فِي مِثْلِهِ عَلَى الْآخِذِ لَا الْمُعْطِي عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ تَقْسِيمِ الرِّشْوَةِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ وَلَا يُتْرَكُ الْفَرْضُ لِمَعْصِيَةِ عَاصٍ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنْ يُعْتَبَرَ مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ عَدَمُ غَلَبَةِ الْخَوْفِ حَتَّى إذَا غَلَبَ الْخَوْفُ عَلَى الْقُلُوبِ مِنْ الْمُحَارَبِينَ لِوُقُوعِ النَّهْبِ وَالْغَلَبَةِ مِنْهُمْ مِرَارًا وَسَمِعُوا أَنَّ طَائِفَةً تَعَرَّضَتْ لِلطَّرِيقِ وَلَهَا شَوْكَةٌ وَالنَّاسُ يَسْتَضْعِفُونَ أَنْفُسَهُمْ عَنْهُمْ لَا يَجِبُ وَاخْتُلِفَ فِي سُقُوطِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ فَقِيلَ الْبَحْرُ يَمْنَعُ الْوُجُوبَ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ إنْ كَانَ الْغَالِبُ فِي الْبَحْرِ السَّلَامَةَ مِنْ مَوْضِعٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِرُكُوبِهِ يَجِبُ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَسَيْحُونُ وَجَيْحُونَ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ أَنْهَارٌ لَا بِحَارٌ كَمَا فِي الْحَدِيثِ «سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ» .

(قَوْلُهُ: وَمَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ لِامْرَأَةٍ فِي سَفَرٍ) أَيْ وَبِشَرْطِ مَحْرَمٍ إلَى آخِرِهِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ ثَلَاثًا إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ» .

وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ «أَوْ زَوْجٌ» .

وَرَوَى الْبَزَّارُ «لَا تَحُجُّ امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُتِبْت فِي غَزْوَةٍ وَامْرَأَتِي حَاجَّةٌ قَالَ ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَهَا» فَأَفَادَ هَذَا كُلُّهُ أَنَّ النِّسْوَةَ الثِّقَاتِ لَا تَكْفِي قِيَاسًا عَلَى الْمُهَاجِرَةِ وَالْمَأْسُورَةِ؛ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ النَّصِّ وَمَعَ وُجُودِ الْفَارِقِ فَإِنَّ الْمَوْجُودَ فِي الْمُهَاجِرَةِ وَالْمَأْسُورَةِ لَيْسَ سَفَرًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْصِدُ مَكَانًا مُعَيَّنًا بَلْ النَّجَاةَ خَوْفًا مِنْ الْفِتْنَةِ حَتَّى لَوْ وَجَدَتْ مَأْمَنًا كَعَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ أَنْ

ــ

[منحة الخالق]

الْوَسَطِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَيْسَ هَذَا الْمَقْصُودَ بَلْ الْمَقْصُودُ اعْتِبَارُ الْوَسَطِ مِنْ حَالِهِ الْمَعْهُودِ وَلِذَا أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَبْذِيرٍ وَلَا تَقْتِيرٍ، تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ صَرْفِهَا إلَى غَيْرِهِ) أَيْ مِنْ شِرَاءِ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَتَزَوُّجٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَكِنْ إنْ صَرَفَهُ عَلَى قَصْدِ حِيلَةِ إسْقَاطِ الْحَجِّ عَنْهُ فَمَكْرُوهٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ شَرْحَ اللُّبَابِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَأَمْنُ طَرِيقٍ) اُخْتُلِفَ هَلْ هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ أَوْ الْأَدَاءِ وَالرَّاجِحُ الثَّانِي كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَعَلَى تَقْدِيرِ أَخْذِهِمْ الرِّشْوَةَ إلَخْ) كَذَا فِي الْفَتْحِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَرَدَّهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْقَضَاءِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُعْطِي مُضْطَرًّا بِأَنْ لَزِمَهُ الْإِعْطَاءُ ضَرُورَةً عَنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَمَّا إذَا كَانَ بِالِالْتِزَامِ مِنْهُ فَبِالْإِعْطَاءِ أَيْضًا يَأْثَمُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ اهـ.

وَأَرَادَ بِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ ابْنَ كَمَالٍ بَاشَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ وَإِنْ كَانَ الْإِثْمُ عَلَى الْآخِذِ، لَكِنْ وُجُودُ الضَّرَرِ الْعَائِدِ عَلَى الْمُعْطِي فِي مَالِهِ صَيَّرَهُ عُذْرًا فِي تَرْكِ الْحَجِّ لَا كَوْنُ الْإِثْمِ لِذَلِكَ وَلَوْ صَحَّ هَذَا لَلَزِمَ الْحَجُّ مَعَ تَحْقِيقِ الْقَتْلِ وَالنَّهْبِ اهـ.

وَأُجِيبَ عَمَّا فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُعْطِيَ مُضْطَرٌّ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنْ نَفْسِهِ وَلِهَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ جَزَمَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ بِمَا فِي الْفَتْحِ ثُمَّ قَالَ وَسَيَجِيءُ آخِرَ الْكِتَابِ أَنَّ قَتْلَ بَعْضِ الْحُجَّاجِ عُذْرٌ، وَهَلْ مَا يُؤْخَذُ فِي الطَّرِيقِ مِنْ الْمَكْسِ وَالْخُفَارَةِ عُذْرٌ؟ قَوْلَانِ وَالْمُعْتَمَدُ لَا، كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْمُجْتَبَى وَعَلَيْهِ فَيُحْتَسَبُ فِي الْفَاضِلِ عَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَكْسِ وَنَحْوِهِ كَمَا فِي مَنَاسِكِ الطَّرَابُلْسِيِّ اهـ.

وَأَمَّا مَا قَالَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>