للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَهُ كَمَالُ التَّنْظِيفِ مِنْ قَصِّ الْأَظْفَارِ وَالشَّارِبِ وَحَلْقِ الْإِبْطَيْنِ وَالْعَانَةِ وَالرَّأْسِ لِمَنْ اعْتَادَهُ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ أَرَادَهُ، وَإِلَّا فَتَسْرِيحُهُ وَإِزَالَةُ الشَّعَثِ وَالْوَسَخِ عَنْهُ وَعَنْ بَدَنِهِ بِغَسْلِهِ بِالْخِطْمِيِّ وَالْأُشْنَانِ وَنَحْوِهِمَا وَمِنْ الْمُسْتَحَبِّ عِنْدَ إرَادَتِهِ جِمَاعَ زَوْجَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ إنْ كَانَتْ مَعَهُ، وَلَا مَانِعَ مِنْ الْجِمَاعِ فَإِنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ.

(قَوْلُهُ وَالْبَسْ إزَارًا وَرِدَاءً جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَبِسَهُمَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَلَا بُدَّ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَذَلِكَ فِيمَا عَيَّنَّاهُ وَالْإِزَارُ مِنْ السُّرَّةِ إلَى مَا تَحْتَ الرُّكْبَةِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ كَمَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ، وَالرِّدَاءُ عَلَى الظَّهْرِ وَالْكَتِفَيْنِ وَالصَّدْرِ وَيَشُدُّهُ فَوْقَ السُّرَّةِ، وَإِنْ غَرَزَ طَرَفَيْهِ فِي إزَارِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَوْ خَلَّلَهُ بِخِلَالٍ أَوْ مِسَلَّةٍ أَوْ شَدَّهُ عَلَى نَفْسِهِ بِحَبْلٍ أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَا فِي الْكِتَابِ بَيَانٌ لِلسُّنَّةِ، وَإِلَّا فَسَاتِرُ الْعَوْرَةِ كَافٍ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ.

وَأَشَارَ بِتَقْدِيمِ الْجَدِيدِ إلَى أَفْضَلِيَّتِهِ، وَكَوْنُهُ أَبْيَضَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ كَالتَّكْفِينِ وَفِي عَدَمِ غَسْلِ الثَّوْبِ الْعَتِيقِ تَرْكٌ لِلْمُسْتَحَبِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ.

(قَوْلُهُ وَتَطَيَّبْ) أَيْ يُسَنُّ لَهُ اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ فِي بَدَنِهِ قُبَيْلَ الْإِحْرَامِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا تَبْقَى عَيْنُهُ بَعْدَهُ كَالْمِسْكِ وَالْغَالِيَةِ، وَمَا لَا تَبْقَى لِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ» وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا «كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ» ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الْمِسْكِ» وَهُوَ الْبَرِيقُ وَاللَّمَعَانُ، وَكَرِهَهُ مُحَمَّدٌ بِمَا تَبْقَى عَيْنُهُ، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَقَيَّدْنَا بِالْبَدَنِ إذْ لَا يَجُوزُ التَّطَيُّبُ فِي الثَّوْبِ بِمَا تَبْقَى عَيْنُهُ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ عَلَى أَحَدِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا. قَالُوا وَبِهِ نَأْخُذُ وَالْفَرْقُ لَهُمَا بَيْنَهُمَا أَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِي الْبَدَنِ تَابِعًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْمُتَّصِلُ بِالثَّوْبِ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ فَلَمْ يُعْتَبَرْ تَابِعًا وَالْمَقْصُودُ مِنْ اسْتِنَانِهِ حُصُولُ الِارْتِفَاقِ بِهِ حَالَةَ الْمَنْعِ مِنْهُ كَالسَّحُورِ لِلصَّوْمِ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِمَا فِي الْبَدَنِ فَأَغْنَى عَنْ تَجْوِيزِهِ فِي الثَّوْبِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ كَمَالَ الِارْتِفَاقِ حَالَةَ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ «الْحَاجَّ الشَّعِثُ التَّفِلُ» ، وَظَاهِرُ مَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَأَنَّ مَشْهُورَ مَذْهَبِهِ كَمَذْهَبِهِمَا (قَوْلُهُ وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ) أَيْ عَلَى وَجْهِ السُّنِّيَّةِ بَعْدَ اللُّبْسِ وَالتَّطَيُّبِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّاهُمَا كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَا يُصَلِّيهِمَا فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ، وَتُجْزِئُهُ الْمَكْتُوبَةُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَنْوِي بِقَلْبِهِ الدُّخُولَ فِي الْحَجِّ، وَيَقُولُ بِلِسَانِهِ مُطَابِقًا لِجَنَانِهِ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي؛ لِأَنِّي مُحْتَاجٌ فِي أَدَاءِ أَرْكَانِهِ إلَى تَحَمُّلِ الْمَشَقَّةِ فَيَطْلُبُ التَّيْسِيرَ وَالْقَبُولَ اقْتِدَاءً بِالْخَلِيلِ وَوَلَدِهِ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - حَيْثُ قَالَا {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: ١٢٧] وَلَمْ يُؤْمَرْ بِمِثْلِ هَذَا الدُّعَاءِ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ سُؤَالَ التَّيْسِيرِ يَكُونُ فِي

ــ

[منحة الخالق]

عَدَمِ اعْتِبَارِ التَّيَمُّمِ بَيْنَ الْكُلِّ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالْبَسْ إزَارًا أَوْ رِدَاءً إلَخْ) وَيُدْخِلُ الرِّدَاءَ تَحْتَ الْيَدِ الْيُمْنَى وَيُلْقِيهِ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ وَيُبْقِي كَتِفَهُ الْأَيْمَنَ مَكْشُوفًا كَذَا فِي الْخِزَانَةِ ذَكَرَهُ الْبُرْجَنْدِيُّ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَهُوَ مُوهِمٌ أَنَّ الِاضْطِبَاعَ يُسْتَحَبُّ مِنْ أَوَّلِ أَحْوَالِ الْإِحْرَامِ وَعَلَيْهِ الْعَوَامُّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مَحَلَّ الِاضْطِبَاعِ الْمَسْنُونِ إنَّمَا يَكُونُ قُبَيْلَ الطَّوَافِ إلَى انْتِهَائِهِ لَا غَيْرُ كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي، وَقَالَ الْمُرْشِدِيُّ فِي شَرْحِ مَنَاسِكِ الْكَنْزِ وَفِي الْأَصَحِّ وَأَنَّهُ هُوَ السُّنَّةُ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ السِّنْدِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ عَنْ الْغَايَةِ وَمَنَاسِكِ الطَّرَابُلْسِيِّ وَالْفَتْحِ، وَقَالَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ أَكْثَرَ كُتُبِ الْمَذْهَبِ نَاطِقَةٌ بِأَنَّ الِاضْطِبَاعَ يُسَنُّ فِي الطَّوَافِ لَا قَبْلَهُ فِي الْإِحْرَامِ وَعَلَيْهِ تَدُلُّ الْأَحَادِيثُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ اهـ

كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ.

(قَوْلُهُ وَإِلَّا فَسَاتِرُ الْعَوْرَةِ كَافٍ) فَيَجُوزُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَأَكْثَرَ مِنْ ثَوْبَيْنِ وَفِي أَسْوَدَيْنِ أَوْ قَطْعِ خِرَقٍ مَخِيطَةٍ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمَا خِيَاطَةٌ اهـ. لُبَابُ الْمَنَاسِكِ.

[اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ فِي بَدَنِهِ قُبَيْلَ الْإِحْرَامِ]

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي الْمُحِيطِ وَإِنْ قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: ١] وَفِي الثَّانِيَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] تَبَرُّكًا بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ أَفْضَلُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ الشَّيْخُ الْوَاعِظُ الْإِسْكَنْدَرِيُّ إنَّ كَثِيرًا مِنْ عُلَمَائِنَا يَقْرَءُونَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ سُورَةِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: ١] {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران: ٨] الْآيَةَ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} [الكهف: ١٠] . (قَوْلُهُ أَيْ عَلَى وَجْهِ السُّنِّيَّةِ) صَرَّحَ بِالسُّنِّيَّةِ فِي السِّرَاجِ وَفِي النَّهْرِ هَذَا الْأَمْرُ أَيْ قَوْلُهُ وَصَلِّ لِلنَّدْبِ وَفِي الْغَايَةِ السُّنَّةُ. اهـ.

لَكِنْ قَدْ يُقَالُ يُنَافِي كَوْنَهَا سُنَّةً إجْزَاءُ الْمَكْتُوبَةِ عَنْهَا فَلِذَا مَشَى فِي النَّهْرِ عَلَى النَّدْبِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَتُجْزِئُهُ الْمَكْتُوبَةُ) كَذَا جَزَمَ بِهِ فِي اللُّبَابِ قَالَ شَارِحُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْإِحْرَامِ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ كَصَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا تَنُوبُ الْفَرِيضَةُ مَنَابَهَا بِخِلَافِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَشُكْرِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ كَمَا حَقَّقَهُ فِي فَتَاوَى الْحُجَّةِ فَتَتَأَدَّى فِي ضِمْنِ غَيْرِهَا أَيْضًا، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَنْسَكِ الْكَبِيرِ وَتُجْزِئُ الْمَكْتُوبَةُ عَنْهَا كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ اهـ.

لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ أَنَّهُ رَدَّهُ الْمُرْشِدِيُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>