للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْخُفَّيْنِ الْجَوْرَبَانِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِمَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى النَّعْلَيْنِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ الْخُفَّيْنِ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ الْحَدِيثِ وَكَلَامُهُمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِمَعْنَى لَا يَحِلُّ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ.

(قَوْلُهُ وَسَتْرُ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ) أَيْ وَاجْتَنِبْ تَغْطِيَتَهُمَا لِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ «لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» وَاعْلَمْ أَنَّ أَئِمَّتَنَا اسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى حُرْمَةِ تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ عَلَى الْمُحْرِمِ الْحَيِّ الْمَفْهُومِ مِنْ التَّعْلِيلِ وَلَمْ يَعْمَلُوا بِمَنْطُوقِهِ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ الْمُحْرِمِ فَإِنَّ حُكْمَهُ عِنْدَنَا كَسَائِرِ الْأَمْوَاتِ فِي تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالشَّافِعِيَّةُ عَمِلُوا بِهِ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُحْرِمُ وَلَمْ يَعْمَلُوا بِهِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ، وَأَجَابَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ أَئِمَّتِنَا بِأَنَّهُمْ إنَّمَا لَمْ يَعْمَلُوا بِهِ فِي الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» وَالْإِحْرَامُ عَمَلٌ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ فَيُغَطَّى الْعُضْوَانِ، وَلِهَذَا لَا يَبْنِي الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ عَلَى إحْرَامِ الْمَيِّتِ اتِّفَاقًا، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِهِ بِالْمَوْتِ وَالْأَعْرَابِيُّ مَخْصُوصٌ مِنْ ذَلِكَ بِإِخْبَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَقَاءِ إحْرَامِهِ وَهُوَ فِي غَيْرِهِ مَفْقُودٌ فَقُلْنَا بِانْقِطَاعِهِ بِالْمَوْتِ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُغَطِّي وَجْهَهَا إجْمَاعًا مَعَ أَنَّهَا عَوْرَةٌ مَسْتُورَةٌ وَفِي كَشْفِهِ فِتْنَةٌ فَلَأَنْ لَا يُغَطِّيَ الرَّجُلُ وَجْهَهُ لِلْإِحْرَامِ أَوْلَى، وَالْمُرَادُ بِسَتْرِ الرَّأْسِ تَغْطِيَتُهَا بِمَا يُغَطَّى بِهِ عَادَةً كَالثَّوْبِ احْتِرَازًا عَنْ شَيْءٍ لَا يُغَطَّى بِهِ عَادَةً كَالْعَدْلِ وَالطَّبَقِ وَالْإِجَّانَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ سَتْرِ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ وَالْعِصَابَةِ، وَلِهَذَا ذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ لَا يُغَطِّي فَاهُ وَلَا ذَقَنَهُ وَلَا عَارِضَهُ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ.

(قَوْلُهُ وَغُسْلَهُمَا بِالْخِطْمِيِّ) أَيْ وَلْيَجْتَنِبْ غَسْلَ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بِالْخِطْمِيِّ وَاللِّحْيَةُ لَمَّا كَانَتْ فِي الْوَجْهِ أَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ وَوُجُوبُ اجْتِنَابِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ إذَا لَمْ يَجْتَنِبْهُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ طِيبٍ وَعِنْدَهُمَا صَدَقَةٌ لِأَنَّهُ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ وَيُلِينُ الشَّعْرَ، وَلَيْسَ بِطِيبٍ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ رَاجِعٌ إلَى تَفْسِيرِهِ، وَلَيْسَ بِاخْتِلَافٍ حَقِيقَةً كَالِاخْتِلَافِ فِي الصَّائِبَةِ وَالْإِفْطَارِ بِالْإِقْطَارِ فِي الْإِحْلِيلِ وَالْخِطْمِيُّ بِكَسْرِ الْخَاءِ نَبْتٌ يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ وَقَيَّدَ بِالْخِطْمِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِالْحَرَضِ وَالصَّابُونِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِهِمْ (قَوْلُهُ وَمَسَّ الطِّيبِ) أَيْ وَاجْتَنِبْهُ مُطْلَقًا فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْحَاجُّ الشَّعِثُ التَّفِلُ» وَهُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مُغَبَّرُ الرَّأْسِ وَالتَّفِلُ بِكَسْرِ الْفَاءِ تَارِكُ الطِّيبِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ نَقِيضُ الْخُبْثِ وَفِي الشَّرِيعَةِ هُوَ جِسْمٌ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالْيَاسَمِينِ وَالْغَالِيَةِ وَالْوَرْدِ وَالْوَرْسِ وَالْعُصْفُرِ وَالْحِنَّاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هُنَا الدُّهْنَ كَمَا فِي الْوَافِي إمَّا أَنَّهُ أَصْلُ الطِّيبِ فَدَخَلَ تَحْتَهُ، وَإِمَّا لِلِاخْتِلَافِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ.

(قَوْلُهُ وَحَلْقَ رَأْسِهِ وَقَصَّ شَعْرِهِ وَظُفْرِهِ) أَيْ وَاجْتَنِبْ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة: ١٩٦] وَالْقَصُّ فِي مَعْنَاهُ فَثَبَتَ دَلَالَةً، وَالْمُرَادُ إزَالَةُ الشَّعْرِ كَيْفَمَا كَانَ حَلْقًا وَقَصًّا وَنَتْفًا وَتَنُّورًا وَإِحْرَاقًا مِنْ أَيِّ مَكَان كَانَ مِنْ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ مُبَاشَرَةً أَوْ تَمْكِينًا، لَكِنْ قَالَ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ قَلْعُ الشَّعْرِ النَّابِتِ فِي الْعَيْنِ فَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ عِنْدَنَا.

[الِاغْتِسَالُ وَدُخُولُ الْحَمَّامِ لِلْمُحْرِمِ]

(قَوْلُهُ لَا الِاغْتِسَالُ وَدُخُولُ الْحَمَّامِ) أَيْ لَا يَتَّقِيهِمَا لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغْتَسَلَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» (قَوْلُهُ وَالِاسْتِظْلَالُ بِالْبَيْتِ وَالْمَحْمِلِ) أَيْ لَا يَجْتَنِبُهُ وَالْمَحْمِلُ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ أَوْ عَكْسُهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُصِبْ رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ فَلَوْ أَصَابَ أَحَدَهُمَا يُكْرَهُ كَمَا لَوْ حَمَلَ ثِيَابًا عَلَى رَأْسِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَمَلَ نَحْوَ الطَّبَقِ أَوْ الْإِجَّانَةِ وَالْعَدْلِ الْمَشْغُولِ.

(قَوْلُهُ وَشَدَّ الْهِمْيَانِ فِي وَسَطِهِ) أَيْ لَا يَجْتَنِبُهُ وَهُوَ بِالْكَسْرِ مَا يُجْعَلُ فِيهِ الدَّرَاهِمُ، وَيُشَدُّ عَلَى الْحَقْوِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فِيهِ نَفَقَتُهُ أَوْ نَفَقَةُ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلُبْسِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِي لُبَابِ الْمَنَاسِكِ وَلَوْ وَجَدَ النَّعْلَيْنِ بَعْدَ لُبْسِهِمَا أَيْ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِدَامَةُ عَلَى ذَلِكَ، وَيَجُوزُ لُبْسُ الْمَقْطُوعِ مَعَ وُجُودِ النَّعْلَيْنِ اهـ.

قَالَ شَارِحُهُ لَكِنَّهُ لَا يُنَافِي الْكَرَاهَةَ الْمُرَتَّبَةَ عَلَى مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، وَقَالَ قَبْلَهُ مَا حَاصِلُهُ حَكَى الطَّبَرِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى النَّعْلَيْنِ لَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ وَلَوْ قَطَعَهُمَا لَكِنَّ هَذَا خِلَافُ الْمَذْهَبِ، وَلَعَلَّهُ رِوَايَةٌ عَنْهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ لُبْسَهُمَا حِينَئِذٍ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ فَيُكْرَهُ، وَتَحْصُلُ بِهِ الْإِسَاءَةُ وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي جَوَازِهِ وَمُقْتَضَى النَّصِّ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ قَيْدَ عَدَمِ وُجْدَانِ النَّعْلَيْنِ لِوُجُوبِ قَطْعِ الْخُفَّيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ حِينَئِذٍ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ عَبَثًا، وَهُوَ لَا يُنَافِي مَا إذَا قَطَعَهُمَا وَلَبِسَهُمَا مَعَ وُجُودِ النَّعْلَيْنِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَهُوَ فِي غَيْرِهِ مَفْقُودٌ) أَيْ بَقَاءُ الْإِحْرَامِ مَفْقُودٌ فِي غَيْرِ الْأَعْرَابِيِّ الْمَخْصُوصِ بِتِلْكَ الْخُصُوصِيَّةِ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَقُلْنَا بِانْقِطَاعِهِ بِالْمَوْتِ عَلَى الْأَصْلِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ غَيْرُ مَفْقُودٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>