للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَقَامِ وَعَلَى الصَّفَا وَعَلَى الْمَرْوَةِ وَفِي السَّعْيِ وَفِي عَرَفَاتٍ وَفِي مُزْدَلِفَةَ وَفِي مِنًى وَعِنْدَ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ، وَزَادَ غَيْرُهُ وَعِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ وَفِي الْحَطِيمِ لَكِنَّ الثَّانِيَ هُوَ تَحْتَ الْمِيزَابِ فَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ مَوْضِعًا.

(فَصْلٌ) (قَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ سَقَطَ عَنْهُ طَوَافُ الْقُدُومِ) مَجَازٌ عَنْ عَدَمِ سُنِّيَّتِهِ فِي حَقِّهِ فَإِنَّ حَقِيقَةَ السُّقُوطِ لَا تَكُونُ إلَّا فِي اللَّازِمِ إمَّا لِأَنَّهُ مَا شُرِعَ إلَّا فِي ابْتِدَاءِ الْأَفْعَالِ فَلَا يَكُونُ سُنَّةً عِنْدَ التَّأَخُّرِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ، وَإِمَّا لِأَنَّ طَوَافَ الزِّيَارَةِ أَغْنَى عَنْهُ كَالْفَرْضِ يُغْنِي عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَلِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْعُمْرَةِ طَوَافُ قُدُومٍ؛ لِأَنَّ طَوَافَهَا أَغْنَى عَنْهُ قَيَّدَ بِطَوَافِ الْقُدُومِ؛ لِأَنَّ الْقَارِنَ إذَا لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ فَإِنَّهُ صَارَ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ فَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِرَفْضِهَا، وَقَضَاؤُهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْقِرَانِ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً مِنْ الزَّوَالِ إلَى فَجْرِ النَّحْرِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَلَوْ جَاهِلًا أَوْ نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَقَالَ مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ فَكَانَ فِعْلُهُ بَيَانًا لِأَوَّلِ وَقْتِهِ، وَقَوْلُهُ بَيَانًا لِآخِرِهِ وَالْمُرَادُ بِالسَّاعَةِ السَّاعَةُ الْعُرْفِيَّةُ وَهُوَ الْيَسِيرُ مِنْ الزَّمَانِ وَهُوَ الْمُحْمَلُ عِنْدَ إطْلَاقِ الْفُقَهَاءِ لَا السَّاعَةَ عِنْدَ الْمُنَجِّمِينَ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْحَيْضِ وَالْمُرَادُ بِتَمَامِ الْحَجِّ بِالْوُقُوفِ فِي الْحَدِيثِ وَعِبَارَتُهُمْ الْأَمْنُ مِنْ الْبُطْلَانِ لَا حَقِيقَتَهُ إذْ بَقِيَ الرُّكْنُ الثَّانِي وَهُوَ الطَّوَافُ، وَأَفَادَ أَنَّ النِّيَّةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْوُقُوفِ وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ النِّيَّةِ حَتَّى لَوْ طَافَ هَارِبًا مِنْ عَدُوٍّ، وَلَا يَصِحُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الطَّوَافَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ وَلِهَذَا يُتَنَفَّلُ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ أَصْلِ النِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَى تَعْيِينِهِ حَتَّى إنَّ الْمُحْرِمَ لَوْ طَافَ يَوْمَ النَّحْرِ وَنَوَى بِهِ النَّذْرَ يُجْزِيهِ عَنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ لَا عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْوُقُوفُ فَلَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ، وَلِهَذَا لَا يُتَنَفَّلُ بِهِ فَوُجُودُ النِّيَّةِ فِي أَصْلِ الْعِبَادَةِ وَهُوَ الْإِحْرَامُ يُغْنِي عَنْ اشْتِرَاطِهِ فِي الْوُقُوفِ مَعَ أَنَّ الْوُقُوفَ أَعْظَمُ الرُّكْنَيْنِ لَكِنْ بِاعْتِبَارِ الْأَمْنِ عَلَى الْبُطْلَانِ عِنْدَ فِعْلِهِ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ أَهَلَّ عَنْهُ رَفِيقُهُ بِإِغْمَائِهِ جَازَ) أَيْ أَحْرَمَ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ أَمَرَهُ بِأَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ عِنْدَ عَجْزِهِ أَوَّلًا، وَالْأَوَّلُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي الثَّانِي خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَافَقَةَ أَمْرٌ بِهِ دَلَالَةٌ عِنْدَ الْعَجْزِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا إنَّمَا تُرَادُ الْمُرَافَقَةُ لِأَمْرِ السَّفَرِ لَا غَيْرُ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ثُبُوتِ الْإِذْنِ دَلَالَةً مَسَائِلُ ذَكَرَهَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْهَا مَسْأَلَةُ الْحَجِّ وَمِنْهَا ذَبْحُ شَاةِ قَصَّابٍ شَدَّهَا لِلذَّبْحِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَا لَوْ لَمْ يَشُدَّهَا، وَمِنْهَا ذَبْحُ أُضْحِيَّةِ غَيْرِهِ مِنْ أَيَّامِهَا بِلَا إذْنِهِ ذَكَرَهَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ مُطْلَقَةً وَقُيِّدَتْ فِي بَعْضِهَا بِمَا إذَا أَضْجَعَهَا لِلذَّبْحِ وَمِنْهَا وَضَعَ الْقِدْرَ عَلَى كَانُونٍ وَفِيهِ اللَّحْمُ وَوَضَعَ الْحَطَبَ تَحْتَهَا فَوَقَدَ النَّارَ رَجُلٌ وَطَبَخَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا جَعَلَ بُرَّهُ فِي دَوْرَقٍ وَرَبَطَ الْحِمَارَ فَسَاقَهُ رَجُلٌ حَتَّى طَحَنَهُ، وَمِنْهَا سَقَطَ حِمْلٌ فِي الطَّرِيقِ فَحُمِلَ بِلَا إذْنِ رَبِّهِ فَتَلِفَتْ الدَّابَّةُ وَمِنْهَا رَفَعَ جَرَّةَ نَفْسِهِ فَأَعَانَهُ آخَرُ عَلَى الرَّفْعِ فَانْكَسَرَتْ.

وَمِنْهَا مُزَارِعٌ زَرَعَ الْأَرْضَ بِبَذْرِ رَبِّهَا وَلَمْ يُنْبِتْ حَتَّى سَقَاهَا رَبُّهَا بِلَا أَمْرِهِ فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا هُيِّئَتْ لِلسَّقْيِ

ــ

[منحة الخالق]

دُعَاءُ الْبَرَايَا يُسْتَجَابُ بِكَعْبَةٍ ... وَمُلْتَزَمٍ وَالْمَوْقِفَيْنِ كَذَا الْحَجَرْ

طَوَافٌ وَسَعْيٌ مَرُوتَيْنِ وَزَمْزَمَ ... مَقَامٌ وَمِيزَابٌ جِمَارُكَ تُعْتَبَرْ

وَمُرَادُهُ بِالْمَوْقِفَيْنِ عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَبِالْمَرُوتَيْنِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ تَغْلِيبًا وَمَا ذَكَرَهُ بِنَاءً عَلَى عَدِّ الْجِمَارِ ثَلَاثًا لَكِنْ نَقَصَ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنًى، وَذَكَرَ بَدَلَهُ الْحَجَرَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا عَنْ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ وَالسِّدْرَةِ وَقَدْ زَادَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ عَنْ اللُّبَابِ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ مَعَ مَوْضِعَيْنِ آخَرَيْنِ فِي الْحَجَرِ وَعِنْدَ الرُّكْنِ الْيَمَانِي وَنَظَمْت هَذِهِ الْخَمْسَةَ إلْحَاقًا لِمَا فِي النَّهْرِ بِقَوْلِي

وَرُؤْيَةُ بَيْتٍ ثُمَّ حَجَرٍ وَسِدْرَةٍ ... وَرُكْنِ يَمَانٍ مَعَ مِنًى لَيْلَةَ الْقَمَرْ

وَقَوْلِي لَيْلَةَ الْقَمَرِ تَابَعْت فِيهِ قَوْلَهُ فِي الدُّرِّ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَمِثْلُهُ مَا مَرَّ فِي الْأُرْجُوزَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا لَيْلَةُ الثَّالِثَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ الْحَاجَّ لَا يَمْكُثُ فِي مِنًى بَعْدَهَا تَأَمَّلْ.

[فَصْلٌ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ]

(فَصْلٌ) (قَوْلُهُ فَإِنَّ حَقِيقَةَ السُّقُوطِ إلَخْ) كَانَ هَذَا وَجْهَ قَوْلِهِ فِي النَّهْرِ وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ أَيْ الْوَافِي وَلَمْ يَطُفْ لِلْقُدُومِ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى اهـ.

وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِوَجْهِ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ تُشْعِرُ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ عَبَّرَ بِالسُّقُوطِ بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْوَافِي تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ إمَّا لِأَنَّهُ إلَخْ) بَيَانٌ لِوَجْهِ سُقُوطِهِ وَالتَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ مَذْكُورٌ فِي الْهِدَايَةِ وَالثَّانِي فِي التَّبْيِينِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا نَظَرٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَنْقُوضٌ بِالْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ.

وَالْجَوَابُ أَنَّهَا فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ مُسِيءٌ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ لَا دَمَ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِتَمَامِ الْحَجِّ) الْمُرَادُ مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ بِتَمَامِ الْحَجِّ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَقَوْلُهُ بِالْوُقُوفِ مُتَعَلِّقٌ بِتَمَامٍ، وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ حَالٌ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ وَقَوْلُهُ وَعِبَارَتِهِمْ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْحَدِيثِ، وَقَوْلُهُ الْأَمْنُ بِالرَّفْعِ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الطَّوَافَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَرِدُ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَنَفَّلُ بِهَا مَعَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا النِّيَّةُ، وَهَذَا لَمْ أَرَهُ لِأَحَدٍ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي عَنْهُ جَوَابٌ اهـ.

وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً لِمَا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>