للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَبْلَ الذَّبْحِ بِالْأَوْلَى.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَوَجَبَ ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ فَنَلْتَزِمُهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ دَمَانِ لِلْجِنَايَةِ وَدَمُ الْقِرَانِ، وَأَمَّا لُزُومُ خَمْسَةِ دِمَاءٍ فَمَمْنُوعٌ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْقَارِنِ إنَّمَا تَكُونُ مَضْمُونَةً بِدَمَيْنِ فِيمَا عَلَى الْمُفْرِدِ فِيهِ دَمٌ وَالْمُفْرِدُ لَوْ حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَلَا يَتَضَاعَفُ الْغُرْمُ عَلَى الْقَارِنِ هَكَذَا أَجَابَ فِي الْعِنَايَةِ، وَأَجَابَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ التَّضَاعُفَ عَلَى الْقَارِنِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا إذَا أَدْخَلَ نَقْصًا فِي إحْرَامِ عُمْرَتِهِ أَمَّا فِيمَا لَا يُوجِبُ نَقْصًا فِيهِ فَلَا يَجِبُ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَإِنَّهُ قَدْ أَتَى بِرُكْنِهَا وَوَاجِبِهَا وَلِهَذَا إذَا أَفَاضَ الْقَارِنُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِلْعُمْرَةِ بِالْوُقُوفِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ جِنَايَةُ الْقَارِنِ مَضْمُونَةً بِدَمَيْنِ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ لَا خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّ حَلْقَهُ قَبْلَ أَوَانِهِ جِنَايَةٌ تُوجِبُ دَمَيْنِ وَتَقْدِيمُ النُّسُكِ عَلَى النُّسُكِ يُوجِبُ دَمًا وَاحِدًا وَدَمُ الْقِرَانِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَعَدَّدَ دَمُ الْقِرَانِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَعَدَّدَ دَمُ التَّقْدِيمِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جِنَايَةٌ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الْحَلْقِ قَبْلَ أَوَانِهِ، وَقَدْ وَجَبَ فِيهَا دَمَانِ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ آخَرُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَوْجِيهِ كَلَامِ الْهِدَايَةِ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ: إنْ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥] الْآيَةَ، وَلِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ السَّابِقِ الدَّالِّ عَلَى تَحْرِيمِ الْإِشَارَةِ وَالْأَمْرِ فَأُلْحِقَتْ بِالْقَتْلِ اسْتِحْسَانًا بِاعْتِبَارِ تَفْوِيتِ الْأَمْنِ وَارْتِكَابِ مَحْظُورِ إحْرَامِهِ، وَلَيْسَ زِيَادَةً عَلَى الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ إنَّمَا نَصَّ عَلَى الْقَتْلِ، وَتَخْصِيصُ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَنْفِي الْحُكْمَ عَمَّا عَدَاهُ، وَحَقِيقَةُ الصَّيْدِ حَيَوَانٌ مُمْتَنِعٌ مُتَوَحِّشٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ سَوَاءٌ كَانَ بِقَوَائِمِهِ أَوْ بِجَنَاحِهِ فَدَخَلَ الظَّبْيُ الْمُسْتَأْنَسُ، وَإِنْ كَانَتْ ذَكَاتُهُ بِالذَّبْحِ وَخَرَجَ الْبَعِيرُ وَالشَّاةُ إذَا اسْتَوْحَشَا، وَإِنْ كَانَتْ ذَكَاتُهُمَا بِالْعَقْرِ؛ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ فِي الصَّيْدِيَّةِ أَصْلُ الْخِلْقَةِ، وَفِي الذَّكَاةِ الْإِمْكَانُ وَعَدَمُهُ، وَخَرَجَ الْكَلْبُ وَالنُّسُورُ مُطْلَقًا أَهْلِيًّا كَانَ أَوْ وَحْشِيًّا، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ تَعْرِيفَهُ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ مِنْ إبَاحَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّاةُ وَالْبَقَرُ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ فَعُلِمَ أَنَّ الصَّيْدَ هُوَ مَا ذُكِرَ ثُمَّ هُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ بَرِّيٍّ وَبَحْرِيٍّ فَالْبَرِّيُّ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ فِي الْبَرِّ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْمَثْوَى أَيْ الْمَكَانِ، وَالْمَائِيُّ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ فِي الْمَاءِ، وَلَوْ كَانَ مَثْوَاهُ فِي الْبَرِّ؛ لِأَنَّ التَّوَالُدَ أَصْلٌ وَالْكَيْنُونَةَ بَعْدَهُ عَارِضٌ فَكَلْبُ الْمَاءِ وَالضُّفْدَعِ مَائِيٌّ، وَأَطْلَقَ قَاضِي خَانْ فِي الضُّفْدَعِ، وَقَيَّدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِالْمَائِيِّ لِإِخْرَاجِ الضُّفْدَعِ الْبَرِّيِّ قَالَ: وَمِثْلُهُ السَّرَطَانُ

ــ

[منحة الخالق]

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نُسُكًا إذَا قَدَّمَهُ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي مَعْنَاهَا وَالْأَوْلَى مُوَافَقَةٌ لِمَا قَرَّرْته أَوَّلًا وَالْمَعْنَى، وَإِنَّمَا انْتَفَى كَوْنُهُ نُسُكًا كَامِلًا حِينَ تَقْدِيمِهِ فَقَوْلُهُ إذَا قَدَّمَهُ مُتَعَلِّقٌ بِانْتَفَى الْمَفْهُومُ مَنْ لَمْ يَكُنْ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} [القلم: ٢] أَيْ انْتَفَى عَنْك ذَلِكَ بِنِعْمَةِ رَبِّك كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي (قَوْلُهُ: لِأَنَّ جِنَايَةَ الْقَارِنِ إنَّمَا تَكُونُ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ بِأَنَّ الْمُفْرِدَ إنَّمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ مِنْهُ عَلَى إحْرَامِهِ لِعَدَمِ تَوَقُّتِ الْحَلْقِ فِي حَقِّهِ بِكَوْنِهِ قَبْلَ الذَّبْحِ، وَأَمَّا الْقَارِنُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ ثُمَّ أَجَابَ بِمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: أَمَّا فِيمَا لَا يُوجِبُ نَقْصًا فِيهِ إلَخْ) قَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ فَأَحْلَقَ يَوْمَ النَّحْرِ حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ قَضَاءَ الْأَعْمَالِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ الْإِحْرَامِ، وَالْوُجُوبُ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْإِحْرَامِ فَتَأَمَّلْ.

[فَصْلٌ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ]

(فَصْلٌ إنْ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) . (قَوْلُهُ: فَأُلْحِقَتْ بِالْقَتْلِ اسْتِحْسَانًا) الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الدَّلَالَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ دَلَّ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الدَّلَالَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ، وَأَنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ بِلَفْظِ «هَلْ أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ قَالُوا لَا قَالَ: فَكُلُوا» ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ فِي الْهِدَايَةِ بِالْحَدِيثِ وَوَجَّهَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَّقَ الْحِلَّ عَلَى عَدَمِ الْإِشَارَةِ، وَهِيَ تَحْصِيلُ الدَّلَالَةِ بِغَيْرِ اللِّسَانِ فَأَحْرَى أَنْ لَا يَحِلَّ إذَا دَلَّهُ بِاللَّفْظِ فَقَالَ: هُنَاكَ صَيْدٌ وَنَحْوُهُ. اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ إلْحَاقَ الْمَنْعِ عَنْ الدَّلَالَةِ بِالْإِشَارَةِ ثَابِتٌ بِدَلَالَةِ النَّصِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْحِلَّ ثَابِتٌ مَعَ عَدَمِ الْإِشَارَةِ فَيَثْبُتُ مَعَ عَدَمِ الدَّلَالَةِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَلَّقَ عَلَى عَدَمِ الْإِشَارَةِ الَّتِي هِيَ أَضْعَفُ مِنْ الدَّلَالَةِ، وَكَانَتْ الْإِشَارَةُ مَمْنُوعًا عَنْهَا عُلِمَ الْمَنْعُ عَنْ الدَّلَالَةِ الَّتِي هِيَ أَقْوَى بِالْأَوْلَى فَافْهَمْ بَقِيَ أَنَّ الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى حُرْمَةِ اللَّحْمِ بِالدَّلَالَةِ لَكِنْ يَلْزَمُهَا أَنْ تَكُونَ الدَّلَالَةُ مَحْظُورَةً فَهِيَ جِنَايَةٌ عَلَى الْإِحْرَامِ، وَلَمَّا فَوَّتَتْ الْأَمْنَ عَلَى الصَّيْدِ عَلَى وَجْهٍ اتَّصَلَ الْقَتْلُ بِهَا كَانَ فِيهَا الْجَزَاءُ قِيَاسًا عَلَى الْقَتْلِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْفَتْحِ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ الْحُكْمُ، وَهُوَ الْجَزَاءُ بَلْ ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ خِلَافُ مَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْهِدَايَةِ حَيْثُ عَطَفَ عَلَى الْحَدِيثِ قَوْلَهُ؛ وَلِأَنَّ الدَّلَالَةَ مِنْ مَحْظُورَاتٍ، وَأَنَّهُ تَفْوِيتُ الْأَمْنِ فَصَارَ كَالْإِتْلَافِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَدِيثِ وَالْقِيَاسِ مُثْبِتٌ لَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ.

وَعَنْ هَذَا اسْتَدَلَّ الْمُؤَلِّفُ عَلَى وُجُوبِ الْجَزَاءِ بِقَوْلِهِ فَأُلْحِقَتْ بِالْقَتْلِ إلَخْ نَعَمْ. قَوْلُهُ: وَلِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الدَّالِّ عَلَى التَّحْرِيمِ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: وَحَقِيقَةُ الصَّيْدِ حَيَوَانٌ مُمْتَنِعٌ إلَخْ) ، وَقَدْ يُوجَدُ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَحْشِيَّةَ الْخِلْقَةِ، وَفِي

<<  <  ج: ص:  >  >>