للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُكْرَهُ الْعُمْرَةُ فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ لِغَيْرِ الْقَارِنِ. اهـ.

وَهُوَ تَقْيِيدٌ حَسَنٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ لَا إلَى الْخَمْسَةِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَأَنْ يَلْحَقَ الْمُتَمَتِّعُ بِالْقَارِنِ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ سُنَّةٌ) أَيْ الْعُمْرَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ بِوُجُوبِهَا وَصَحَّحَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَاخْتَارَهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَقَالَ: إنَّهُ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ اسْمَ السُّنَّةِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ. اهـ.

وَالظَّاهِرُ مِنْ الرِّوَايَةِ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنَّ مُحَمَّدًا نَصَّ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ أَنَّ الْعُمْرَةَ تَطَوُّعٌ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا كَبِيرُ فَرْقٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِرَارًا وَاسْتَدَلَّ لَهَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُئِلَ عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ قَالَ: لَا، وَأَنْ تَعْتَمِرُوا هُوَ أَفْضَلُ» ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] فَالْإِتْمَامُ بَعْدَ الشُّرُوعِ، وَلَا كَلَامَ لَنَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ، وَكَلَامُنَا فِيمَا قَبْلَ الشُّرُوعِ وَالْمُرَادُ أَنَّهَا سُنَّةٌ فِي الْعُمْرِ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ فَمَنْ أَتَى بِهَا مَرَّةً فَقَدْ أَقَامَ السُّنَّةَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِوَقْتٍ غَيْرَ مَا ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْهَا فِيهِ إلَّا أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ هَذَا إذَا أَفْرَدَهَا فَلَا يُنَافِيهِ أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ يَرْجِعُ إلَى الْحَجِّ لَا الْعُمْرَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ أَرَادَ الْإِتْيَانَ بِالْعُمْرَةِ عَلَى وَجْهٍ أَفْضَلَ فِيهَا فَفِي رَمَضَانَ أَوْ الْحَجِّ عَلَى وَجْهٍ أَفْضَلَ فَبِأَنْ يَقْرِنَ مَعَهُ عُمْرَةً.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ لِلْعُمْرَةِ مَعْنًى لُغَوِيًّا، وَمَعْنًى شَرْعِيًّا وَسَبَبًا وَرُكْنًا وَشَرَائِطَ وُجُوبٍ وَشَرَائِطَ صِحَّةٍ وَوَاجِبَاتٍ وَسُنَنًا وَآدَابًا، وَمُفْسِدًا كَالْحَجِّ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَاهَا وَرُكْنَهَا وَوَاجِبَاتِهَا، وَأَمَّا سَبَبُهَا فَالْبَيْتُ وَشَرَائِطُ وُجُوبِهَا وَصِحَّتِهَا مَا هُوَ شَرَائِطُ الْحَجِّ إلَّا الْوَقْتَ، وَأَمَّا سُنَنُهَا وَآدَابُهَا فَمَا هُوَ سُنَنُ الْحَجِّ وَآدَابُهُ إلَى الْفَرَاغِ مِنْ السَّعْيِ، وَأَمَّا مُفْسِدُهَا فَالْجِمَاعُ قَبْلَ طَوَافِ الْأَكْثَرِ مِنْ السَّبْعَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا طَوَافُ الصَّدْرِ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ يَجِبُ عَلَيْهِ.

(بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ) لَمَّا كَانَ الْحَجُّ عَنْ الْغَيْرِ كَالتَّبَعِ أَخَّرَهُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا أَوْ صَدَقَةً أَوْ قِرَاءَةَ قُرْآنٍ أَوْ ذِكْرًا أَوْ طَوَافًا أَوْ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: ٢٤] ، وَإِخْبَارُهُ تَعَالَى عَنْ مَلَائِكَتِهِ بِقَوْلِهِ {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر: ٧] وَسَاقَ عِبَارَتَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} [غافر: ٧] إلَى قَوْلِهِ {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} [غافر: ٩] ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «حِينَ ضَحَّى بِالْكَبْشَيْنِ فَجَعَلَ أَحَدَهُمَا عَنْ أُمَّتِهِ» ، وَهُوَ مَشْهُورٌ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ، وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ سُورَةَ يس» وَحِينَئِذٍ فَتَعَيَّنَ أَنْ لَا يَكُونَ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] عَلَى ظَاهِرِهِ، وَفِيهِ تَأْوِيلَاتٌ أَقْرَبُهَا مَا اخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ أَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِمَا يَهَبُهُ الْعَامِلُ يَعْنِي لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ مِنْ سَعْيِ غَيْرِهِ نَصِيبٌ إلَّا إذَا وَهَبَهُ لَهُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ» فَهُوَ فِي حَقِّ الْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ لَا فِي حَقِّ الثَّوَابِ فَإِنَّ مَنْ صَامَ أَوْ صَلَّى أَوْ تَصَدَّقَ وَجَعَلَ ثَوَابَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَاتِ وَالْأَحْيَاءِ جَازَ وَيَصِلُ ثَوَابُهَا إلَيْهِمْ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَجْعُولُ لَهُ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ

ــ

[منحة الخالق]

فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إذَا لَمْ يَحُجَّ، وَمَنْ خَالَفَ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ، وَإِتْيَانُ الْبُرْهَانِ. اهـ.

وَهُوَ رَدٌّ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ كَمَا تَقَدَّمَ مَبْسُوطًا فِي بَابِ التَّمَتُّعِ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ مَعْنَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ اسْتِثْنَاءِ الْقَارِنِ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْعُمْرَةِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهَا أَفْعَالَ الْحَجِّ، وَمِنْ ثَمَّ خَصَّهُ بِيَوْمِ عَرَفَةَ، وَهُوَ غَفْلَةٌ عَنْ كَلَامِهِمْ فَقَدْ قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَتُكْرَهُ الْعُمْرَةُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَيْ يُكْرَهُ إنْشَاؤُهَا بِالْإِحْرَامِ أَمَّا إذَا أَدَّاهَا بِإِحْرَامٍ سَابِقٍ كَمَا إذَا كَانَ قَارِنًا فَفَاتَهُ الْحَجُّ، وَأَدَاءُ الْعُمْرَةِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ لَا يُكْرَهُ، وَعَلَى هَذَا فَالِاسْتِثْنَاءُ الْوَاقِعُ فِي الْخَانِيَّةِ مُنْقَطِعٌ، وَلَا اخْتِصَاصَ لِيَوْمِ عَرَفَةَ. اهـ.

لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُرَادُ كَرَاهَةَ الْإِنْشَاءِ لَا يَكُونُ الْقَارِنُ دَاخِلًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْشِئٍ فَإِخْرَاجُهُ مِمَّا قَبْلَهُ مُنْقَطِعٌ فَلَا يُكْرَهُ فِي حَقِّهِ أَدَاؤُهَا فِي الْخَمْسَةِ قُلْتُ:، وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ الْقَارِنِ فِي كَلَامِ الْخَانِيَّةِ الْمُدْرِكُ لَا فَائِتُ الْحَجِّ وَحِينَئِذٍ فَلَا شَكَّ أَنَّ عُمْرَتَهُ لَا تَكُونُ بَعْدَ يَوْمِ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالْوُقُوفِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ تَعَرُّضٌ لِمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَلَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلٌ أَوْ مُنْقَطِعٌ فَمِنْ أَيْنَ جَاءَتْ الْغَفْلَةُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ اعْلَمْ إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَأَحْكَامُ إحْرَامِهَا كَإِحْرَامِهِ.

[بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ]

(قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ إلَخْ) أَقُولُ: ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْحَافِظُ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ الْحَنْبَلِيُّ فِي كِتَابِ الرُّوحِ وَذَكَرَ فِيهَا خِلَافًا عِنْدَهُمْ، وَقَالَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ غَيْرُ مَنْصُوصَةٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ ذَلِكَ الْمُتَأَخِّرُونَ كَالْقَاضِي، وَأَتْبَاعِهِ فَقِيلَ إنْ نَوَاهُ حَالَ فِعْلِهِ أَوْ قَبْلَهُ وَصَلَ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْوِهِ، وَقَعَ الثَّوَابُ لِلْعَامِلِ فَلَا يُقْبَلُ انْتِقَالُهُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ وَلِهَذَا لَوْ أَدَّى دَيْنًا عَنْ نَفْسِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>