للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

كما يرى ابن حزم جواز التداوي بالمخدرات أيضا لأن التداوي بالمحرم بمنزلة الضرورة عنده وقد قال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْه} ١.

أما الحنابلة فقد سئل الإمام ابن تيمية عن التداوي بالخمر ولحم الخنزير وغير ذلك من المحرمات هل يباح للضرورة أم لا؟ وهل الآية {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْه} في إباحة ما ذكر أم لا..

فأجاب: لا يجوز التداوي بذلك بل قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الخمر يتداوى بها فقال أنها داء وليست بدواء، وفي السنن أنه نهى عن الدواء بالخبيث، وقال: "إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها.." ثم قال: وليس ذلك بضرورة فإنه لا يتيقن الشفاء بها كما يتقين الشبع باللحم المحرم، ولأن الشفاء لا يتعين له طريق من الأدوية وبغير ذلك، بخلاف المخمصة فإنها لا تزول إلا بالأكل"٢ ومعروف أن ابن تيمية يذهب إلى أن"هذه الحشيشة الملعونة من أعظم المنكرات، وهي شر من الشراب المسكر من بعض الوجوه، والمسكر شر منها من وجه آخر"٣.

والنتيجة التي يمكن التوصل إليها أنه لا يجوز التداوي بالمحرم وكل خبيث إلا أن التخدير الآن بات أمرا أساسيا في إجراء العمليات الجراحية، وعليه فلا مانع من القول بإباحة استعمال البنج المخدر المعروف الآن في المستشفيات والمستخدم في شئون العلاج والتطيب، ولا يسوغ أن نقول بمنعه الآن لأن في استعماله واستخدامه مصلحة محققة وغرضا شرعيا صحيحا، ثم إن كثيرا من الفقهاء كما رأيت من أقوالهم لا يمنعون من التداوي بالمخدرات عموما.

أما تعاطي المخدرات وتناولها أكلا أو شربا فنحن مع ابن تيمية في القول بمنعه، وهناك بدائل كثيرة يمكن استخدامها في مجال العلاج، وقد قيل من استشفى بالأدوية الخبيثة كان دليلا على مرض قلبه ٤.


١ الفتاوى ج ٢٤/٢٧١.
٢ المرجع السابق.
٣ المرجع السابق ٣٤ /٢٠٥، ٢٠٦.
٤ المرجع السابق ج٢٤ /٢٧٥.

<<  <   >  >>