للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

صلى الله عليه وسلم: "ما أسكر كثيره فقليله حرام".

والعقوبة الواردة هنا هي الحد وإن لم يسكر.

لكن ما مقدار الحد.. هل أربعون أو أكثر..

يبدو أن شارب الخمر كان يعاقب في البداية بأربعين جلدة ونحوها كذا كان الحال في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه لكن لما تغيرت أحوال الناس ولأن دينهم زيد الحد إلى ثمانين..

روى البخاري وأحمد عن السائب بن زيد قال: كنا نؤتي بالشارب في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفي إمرة أبي بكر الصديق وصدراً من إمارة عمر فنتقدم إليه فنضربه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا حتى إذا عتوا فيها وفسقوا جلد عمر ثمانين..

وروى مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين، وفعله أبو بكر، فلما كان عمر استشار الناس فقيل: أخف الحدود ثمانون، فأمر به عمر فجلد ثمانين.

وجاء في المغني لابن قدامة أن عمر استشار الصحابة في حد الشرب فقال له علي كرم الله وجهه: أنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذي، وإذا هذي افترى فاجلدوه ثمانين _ أي كحد المفترى _ فجلده عمر ثمانين ١.

وكأنه يشير إلى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} .

ولقد وصل الأمر بالبعض أن يحد من جلس في مجلس الشراب وإن لم يشرب لأنه كالراضي بفعلهم الموافق على إثمهم.. يقول ابن تيمية"رفع إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قوم شربوا الخمر فأمر بجلدهم، فقيل له إن فيهم فلاناً وقد كان صائماً، فقال ابدءوا به أما سمعتم الله يقول {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} وزاد في مكان آخر، فجعل القاعد المستمع من غير إنكار بمنزلة الفاعل ٢.

كما قال رحمه الله"أما شارب الخمر فيجب باتفاق الأئمة أن يجلد الحد إذا ثبت عليه، وحده أربعون جلدة، أو ثمانون جلدة، فإن جلده ثمانين جاز باتفاق الأئمة وإن اقتصر على الأربعين ففي الأجزاء نزاع مشهور.

فمذهب أبي حنيفة وأحمد الروايتين أنه يجب الثمانون ومذهب الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى عنه أن الأربعين الثانية تعزير يرجع فيها إلى اجتهاد


١ المغني ١٠ /٣٢٦.
٢ الفتاوى ٣٢ / ٢٥٤، ٣٠ / ٢١٣.

<<  <   >  >>