للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

[طرسوس في عهد قوة الدولة العباسية ٣٣ ١- ٢٤٨ هـ:]

ظهرت الدولة العباسية عام ١٣٢ هـ، على أنقاض الدولة الأموية، وقامت بدورها في تثبيت الإِسلام، ومدِّه في البلاد التي فتحها المسلمون في عهد الأمويين١.

وكان الروم بقيادة الإمبراطور قسطنطين الخامس (٧٤١- ٧٧٥ م) قد انتهزوا فرصة انشغال الدولة العباسية بالتمكن لنفسها، فأغاروا على الحدود الإِسلامية، وآتوا على جهود المسلمين في التحصين، ودمروا خطوط حصون الفرات، ثم الخط الممتد بين الفرات إلى البحر. وهددوا النظام الثغري كله تهديداً خطيراً٢.

فأمر أبو العباس السفاح (١٣٢- ١٣٦ هـ) بإعادة تمصير المصيصة، وتم ذلك في عام ١٣٩ هـ في عهد أبي جعفر المنصور (١٣٦١٥٨هـ) . ولما رغب امبراطور الروم في فداء الأسرى، وأبى المنصور، كتب إليه الإِمام الأوزاعي رسالة شديدة اللهجة بالمبادرة إلى الفداء٣. فنزل المنصور عند كتاب الأوزاعي وجرى الفداء واستحق الأوزاعي منذ ذلك الوقت لقب "عالم الأمة"٤.

ولما تجدد تهديد البيزنطيين للنظام الثغري وسقطت اللاذقية بأيديهم عام ٤٠ اهـ، انبرى الأوزاعي لإنذار الخليفة بخطورة الأمر، وطلب منه أن يأمر بتخصيص أعطيات سنوية لأهل الساحل حتى يَقْووا على المرابطة، وحراسة الأبراج والحصون الساحلية.


١ ذكر بعض المؤرخين أن وجهة الحرب بين المسلمين والبيزنطيين قد تغيرت زمن العباسيين عما كانت عليه زمن الأمويين. وأصبحت عبارة عن غارات الغرض منها الهدم، والتخريب وإتلاف النفس والمال. وهذا يخالف ما كانت عليه الحال في أيام الأمويين الذين كانت لهم سياسة مرسومة لمحاربة البيزنطيين ابتغاء امتلاك القسطنطينية. (انظر حسن إبراهيم حسن- تاريخ الإسلام ٢/٢٤٢) .
وقمت ببحث هذه النقطة، ووجدت أن سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسيةلم يقلل من شأن الجهاد مع الروم البيزنطيين، وليس هناك فاصل بين سياسة الأمويين والعباسيين. والعهد العباسي امتداد للعهد الأموي، ولم تتغير سياسة الفتح، فقد فشل المسلمون زمن الأمويين في فتح القسطنطينية فاعتمدوا خطة التريث، واعتمدوا على القوى العسكرية وبناء الحصون، والأمصار الإسلامية على حدود آسيا الصغرى وفي داخلها، تمهيداً للامتداد. وقام العباسيون بمتابعة هذه الجهود، فقاموا بتثبيت الإسلام في منطقة العواصم والثغور، ومنها مدوا الإسلام إلى داخل آسيا الصغرى ومصرّوا فيها الأمصار.
وتوقف المدّ الإسلامي يعود إلى انتهاء حدة موجة الفتح الإسلامي، لأسباب ليس هنا موضعها، وبدأ المسلمون يفقدون أقاليمهم في آسيا الصغرى في العهد العباسي الثاني (٢٤٨-٣٣٢ هـ) ، وفي عهد التسلط البويهي على الخلفاء (٣٣٤-٤٤٧ هـ) ، ففقدوا معظمها، ليعود المد الإسلامي من جديد في العهد السلجوقي ليغطي آسيا الصغري كلها بعد معركة ملاذكرد (مانزكرت) عام ٤٦٣ هـ/١٠٧١.
٢ اليعقوبي- تاريخ ٢/ ٩٩، فتوح البلدان ص ١٩٠، قدامة ص ٣٠٨، العالم الإسلامي ص ١٥٦، الإمبراطورية البيزنطية
٣ حلية الأولياء ٦/ ١٣٥.
٤ البسوي- المعرفة والتاريخ ٢/ ٤٠٨.

<<  <   >  >>