للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَرَغَ أَعَادَتْهُ إِلَى الرِّبَاطِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ جَاءَنِي لاسْتَغْفَرْتُ لَهُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: اختلف فِي الحال التي أوجبت فعل أبي لبابة هَذَا بنفسه.

وأحسن مَا قيل فِي ذلك مَا رواه معمر عَنِ الزهري، قَالَ: كَانَ أَبُو لبابة ممن تخلف عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غزوة تبوك، فربط نفسه بسارية، وَقَالَ: والله لا أحل نفسي منها، ولا أذوق طعامًا ولا شرابًا حَتَّى يتوب اللَّه علي أَوْ أموت.

فمكث سبعة أيام لا يذوق طعاما ولا شرابًا حَتَّى خر مغشيًا عَلَيْهِ، ثم تاب اللَّه عَلَيْهِ، فقيل له: قد تاب اللَّه عليك يَا أبا لبابة، فَقَالَ: والله لا أحل نفسي حَتَّى يكون رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي يحلني. قَالَ: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فحله بيده، ثم قَالَ أَبُو لبابة: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فِيهَا الذنب، وأن أنخلع من مالي كله صدقة إِلَى اللَّه وإلى رسوله، قَالَ: يجزئك يَا أبا لبابة الثلث. وروى عَنِ ابْن عباس من وجوه فِي قول اللَّه تعالى [١] : وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً ... ٩: ١٠٢ الآية. أنها نزلت فِي أبي لبابة ونفر معه سبعة أَوْ ثمانية أَوْ تسعة سواه، تخلفوا عَنْ غزوة تبوك ثم ندموا وتابوا [٢] وربطوا أنفسهم بالسواري، فكان عملهم الصالح توبتهم و [عملهم] [٣] السيّئ تخلفهم عَنِ الغزو مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم.

قال أبو عمر: قد قيل: إن الذنب الَّذِي أتاه أَبُو لبابة كَانَ إشارته إِلَى حلفائه من بني قريظة أنه الذبح إن نزلتم عَلَى حكم سعد بن معاذ، وأشار إلى


[١] سورة التوبة، آية ١٠٣.
[٢] أ: ثم ندموا فتابوا.
[٣] ليس في أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>