للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفصل السادس: في نسخ الكتب وما تحمَّلوه في ذلك

عاش أكثر أهل العلم في سالف الدهر وآنِفِه عِيْشةَ الكفاف، فلم يكن همهم جمع المال ولا طلب الدنيا، ورُزقوا من القناعة ما أورثم غِنَى النفسِ، فكان أحدهم غنيًّا من غير مال، عزيزًا من غير حَمِيَّة ولا عَشِيرة، وكانت تلك المعيشة خير مُعِينٍ لهم على الانجماع في طلب العلم وعدم الالتفات إلى غيره، لأنه لا يقبل الشركة.

ولما كان حالُهم كذلك = لم يكن لهم ما يستطيعون به اقتناء ما يحتاجون إليه من كتب وأسفار، ولم يكن لديهم ما يمكن به استئجار من ينسخ، فكانوا إما أن يستعيروا الكتب (١) أو ينسخوها بأنفسهم.

هذا عدا ما يكتبونه من تأليفهم الخاصة، كما نسخ الحافظ المزِّي كتابيه الضخمين (تحفة الأشراف، وتهذيب الكمال) بيده أكثر من مرَّة (٢) ، وفعل الذهبيُّ الأمرَ نفسِه في أضخم كتبه (تاريخ الإسلام، وسير


(١) لذا ورد الترغيبُ في إعارة الكتب لمستحقيها، وعَقَد العلماءُ لذلك فصولاً في ثنايا كتبهم، وأوردوا فيه من القَصَص والحكايات والأشعار الكثير والكثير، من الجانبين المُعِيْر والمستعير.
(٢) انظر: ((ذيل تاريخ الإسلام)) : (ق/ ١١٤ أ-ب) للذهبي، و ((طبقات علماء الحديث)) : (٤/ ٢٦٧) ، و ((طبقات الشافعية الكبرى)) : (١٠/ ٤١٧) ، لأنه ربما افْتَقَر فباعهما.

<<  <   >  >>