للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً

وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ

قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ مَا مِثَالُهُ: جَاءَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ تِلْكَ الْآيَةِ الَّتِي نَبَّهَ اللهُ فِيهَا النَّبِيَّ وَالْمُؤْمِنِينَ إِلَى الِالْتِجَاءِ إِلَيْهِ مُعْتَرِفِينَ أَنَّ بِيَدِهِ الْمُلْكَ وَالْعِزَّ وَمَجَامِعَ الْخَيْرِ وَالسُّلْطَانَ الْمُطْلَقَ فِي تَصْرِيفِ الْكَوْنِ يُعْطِي مَنْ يَشَاءُ وَيَمْنَعُ مَنْ يَشَاءُ، فَإِذَا كَانَتِ الْعِزَّةُ وَالْقُوَّةُ لَهُ - عَزَّ شَأْنُهُ - فَمِنَ الْجَهْلِ وَالْغُرُورِ أَنْ يُعْتَزَّ بِغَيْرِهِ مِنْ دُونِهِ، وَأَنْ يُلْتَجَأَ إِلَى غَيْرِ جَنَابِهِ، أَوْ يَذِلَّ الْمُؤْمِنُ فِي غَيْرِ بَابِهِ، وَقَدْ نَطَقَتِ السِّيَرُ بِأَنَّ بَعْضَ الَّذِينَ كَانُوا يَدْخُلُونَ فِي الْإِسْلَامِ كَانَ يَقَعُ مِنْهُمْ قَبْلَ الِاطْمِئْنَانِ بِالْإِيمَانِ اغْتِرَارٌ بِعِزَّةِ الْكَافِرِينَ وَقُوَّتِهِمْ وَشَوْكَتِهِمْ، فَيُوَالُونَهُمْ وَيَرْكَنُونَ إِلَيْهِمْ، وَهَذَا أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ فِي الْبَشَرِ.

قَالَ: وَذَكَرُوا فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ. وَقِصَّتُهُ مَعْرُوفَةٌ وَقِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي ابْنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ (زَعِيمِ الْمُنَافِقِينَ) وَقِيلَ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يُوَالُونَ بَعْضَ الْيَهُودِ، وَمَهْمَا كَانَ السَّبَبُ فِي نُزُولِهَا فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ مِنْ طَبِيعَةِ الِاجْتِمَاعِ فِي كُلِّ دَعْوَةٍ أَنْ يُوجَدَ فِي الْمُسْتَجِيبِينَ لَهَا الْقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ، عَلَى أَنَّ مَظَاهِرَ الْقُوَّةِ وَالْعِزَّةِ تَغُرُّ بَعْضَ الصَّادِقِينَ، وَتُؤَثِّرُ فِي نُفُوسِ بَعْضِ الْمُخْلِصِينَ فَمَا بَالُكَ بِغَيْرِهِمْ! وَلِذَلِكَ نَهَى اللهُ - تَعَالَى - الْمُؤْمِنِينَ عَنِ اتِّخَاذِ الْأَوْلِيَاءِ مِنَ الْكَافِرِينَ، وَقَدْ وَرَدَ بِمَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ آيَاتٌ أُخْرَى فَلَا بُدَّ مِنْ تَفْسِيرِهَا تَفْسِيرًا تَتَّفِقُ بِهِ مَعَانِيهَا.

أَقُولُ: قِصَّةُ حَاطِبٍ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا مُسْنَدَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَمُلَخَّصُهَا: " أَنَّ حَاطِبًا كَتَبَ كِتَابًا لِقُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ فِيهِ بِاسْتِعْدَادِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلزَّحْفِ عَلَى مَكَّةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>