للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ

قَوْلُهُ - تَعَالَى -: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ عِنْدَمَا رَأَى زَكَرِيَّا حُسْنَ حَالِ مَرْيَمَ وَمَعْرِفَتَهَا وَإِضَافَتَهَا الْأَشْيَاءَ إِلَيْهِ دَعَا رَبَّهُ مُتَمَنِّيًا لَوْ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ صَالِحٌ مِثْلُهَا هِبَةً مِنْ لَدُنْهُ - تَعَالَى - وَمِنْ مَحْضِ فَضْلِهِ (وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي تَفْسِيرِ لَدُنْ وَلَدَى) وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُهُمْ (هُنَالِكَ) بِالزَّمَانِ قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالِاسْتِعْمَالُ الْفَصِيحُ فِيهَا أَنَّهَا لِلْمَكَانِ ; أَيْ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي خَاطَبَتْهُ فِيهِ مَرْيَمُ بِمَا ذَكَرَ، دَعَا رَبَّهُ، وَرُؤْيَةُ الْأَوْلَادِ النُّجَبَاءِ تُشَوِّقُ نَفْسَ الْقَارِئِ وَتُهَيِّجُ تَمَنِّيهِ لَوْ يَكُونُ لَهُ مِثْلُهُمْ، وَذَهَبَ الْمُفَسِّرُ (الْجَلَالُ) كَغَيْرِهِ إِلَى أَنَّ الَّذِي بَعَثَ زَكَرِيَّا إِلَى الدُّعَاءِ هُوَ رُؤْيَةُ فَاكِهَةِ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ وَعَكْسُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ قُبَيْلَ مَجِيءِ الْوَلَدِ مِنَ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْعَاقِرِ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَقَدْ

يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِأَنَّ فِيهِ إِشْعَارًا بِأَنَّ زَكَرِيَّا لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ عَالِمًا بِإِمْكَانِ الْخَوَارِقِ وَلَا يَقُولُ بِهَذَا مُؤْمِنٌ بِنُبُوَّتِهِ. فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ تَعَجُّبَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ قَدْ يُشْعِرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا يُؤَيِّدُ امْتِنَاعَ أَنْ تَكُونَ رِوَايَةُ الْخَوَارِقِ هِيَ الَّتِي أَثَارَتْ فِي نَفْسِهِ هَذَا الدُّعَاءَ، ثُمَّ قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي مَعْنَى هَذَا الدُّعَاءِ وَهَذَا التَّعَجُّبِ مِنَ اسْتِجَابَتِهِ أَحْسَنَ قَوْلٍ. وَهَاكَهُ بِالْمَعْنَى مَعَ شَيْءٍ مِنَ التَّصَرُّفِ: إِنَّ زَكَرِيَّا لَمَّا رَأَى مَا رَآهُ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ عَلَى مَرْيَمَ فِي كَمَالِ إِيمَانِهَا وَحُسْنِ حَالِهَا وَلَا سِيَّمَا اخْتِرَاقُ شُعَاعِ بَصِيرَتِهَا لِحُجُبِ الْأَسْبَابِ، وَرُؤْيَتُهَا أَنَّ الْمُسَخِّرَ لَهَا هُوَ الَّذِي يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ، أَخَذَ عَنْ نَفْسِهِ، وَغَابَ عَنْ حِسِّهِ، وَانْصَرَفَ عَنِ الْعَالَمِ وَمَا فِيهِ، وَاسْتَغْرَقَ قَلْبُهُ فِي مُلَاحَظَةِ فَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ. فَنَطَقَ بِهَذَا الدُّعَاءِ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ. وَإِنَّمَا يَكُونُ الدُّعَاءُ جَدِيرًا بِأَنْ يُسْتَجَابَ إِذَا جَرَى بِهِ اللِّسَانُ بِتَلْقِينِ الْقَلْبِ فِي حَالِ اسْتِغْرَاقِهِ فِي الشُّعُورِ بِكَمَالِ الرَّبِّ، وَلَمَّا عَادَ مِنْ سَفَرِهِ فِي عَالَمِ الْوَحْدَةِ إِلَى عَالَمِ الْأَسْبَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>