للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَا سَبَقَهُ. وَالْمَعْنَى: وَلَا تُصَدِّقُوا غَيْرَ مَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ بِأَنَّ أَحَدًا يُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ، أَوْ يُقِيمُوا عَلَيْكُمُ الْحُجَّةَ عِنْدَ رَبِّكُمْ، أَيْ لَا تَعْتَرِفُوا أَمَامَ الْعَرَبِ - مَثَلًا - بِأَنَّكُمْ تَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُبْعَثَ نَبِيٌّ مِنْ غَيْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَخْ. وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُنْكِرُونَ جَوَازَ بِعْثَةِ نَبِيٍّ مِنَ الْعَرَبِ بِأَلْسِنَتِهِمْ مُكَابَرَةً وَعِنَادًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا اعْتِقَادًا، وَأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُصَرِّحُونَ بِاعْتِقَادِهِمُ الْمُسْتَكِنِّ فِي أَنْفُسِهِمْ إِلَّا لِمَنْ آمَنُوا لَهُ مِنْ قَوْمِهِمْ لِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْمَكْرِ وَالْمُخَادَعَةِ، وَهَذَا الْوَجْهُ ظَاهِرٌ عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ. هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَهُوَ نَحْوُ مَا جَرَى عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْكَشَّافِ كَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ، قَالَ: أَيْ وَلَا تُظْهِرُوا إِيمَانَكُمْ بِأَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ إِلَّا لِأَهْلِ دِينِكُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ، أَرَادُوا: أَسِرُّوا تَصْدِيقَكُمْ بِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أُوتُوا مِنْ كُتُبِ اللهِ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ وَلَا تُفْشُوهُ إِلَّا إِلَى أَشْيَاعِكُمْ وَحْدَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ لِئَلَّا يَزِيدَهُمْ ثَبَاتًا، وَدُونَ الْمُشْرِكِينَ لِئَلَّا يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ. (قَالَ) : أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ عَطْفٌ عَلَى أَنْ يُؤْتَى وَالضَّمِيرُ فِي يُحَاجُّوكُمْ لِأَحَدٍ ; لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ، بِمَعْنَى: وَلَا تُؤْمِنُوا لِغَيْرِ أَتْبَاعِكُمْ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُحَاجُّونَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْحَقِّ وَيُغَالِبُونَكُمْ عِنْدَ اللهِ - تَعَالَى - بِالْحُجَّةِ، فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا مَعْنَى الِاعْتِرَاضِ؟ قُلْتُ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْهُدَى هُدَى اللهِ مَنْ شَاءَ أَنْ يَلْطُفَ بِهِ حَتَّى يُسْلِمَ أَوْ يَزِيدَ ثَبَاتُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ كَانَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَنْفَعْ كَيْدُكُمْ وَحِيَلُكُمْ وَزَيْفُكُمْ تَصْدِيقُكُمْ عَنِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ يُرِيدُ الْهِدَايَةَ وَالتَّوْفِيقَ انْتَهَى كَلَامُ الزَّمَخْشَرِيِّ: أَيْ فَهُوَ مُؤَكِّدٌ لِلِاعْتِرَاضِ الْأَوَّلِ، أَوْ هُوَ اعْتِرَاضٌ آخَرُ يَجِيءُ بَعْدَ تَمَامِ الْكَلَامِ.

كَقَوْلِهِ: وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ [٢٧: ٣٤] بَعْدَ قَوْلِهِ: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا.

قَالَ النَّيْسَابُورِيُّ: فَإِنْ قِيلَ إِنَّ جِدَّ الْقَوْمِ فِي حِفْظِ أَتْبَاعِهِمْ عَنْ قَبُولِ دِينِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَعْظَمَ مِنْ جِدِّهِمْ فِي حِفْظِ غَيْرِ أَتْبَاعِهِمْ عَنْهُ، فَكَيْفَ يَلِيقُ أَنْ يُوصِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالْإِقْرَارِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ دِينِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ أَتْبَاعِهِمْ وَأَنْ يَمْتَنِعُوا مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ الْأَجَانِبِ؟ فَالْجَوَابُ: لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا النَّهْيَ بِإِفْشَاءِ هَذَا التَّصْدِيقِ فِيمَا بَيْنَ أَتْبَاعِهِمْ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ إِنِ اتَّفَقَ مِنْكُمْ تَكَلُّمٌ بِهَذَا فَلَا يَكُنْ إِلَّا عِنْدَ خُوَيِّصَتِكُمْ وَأَصْحَابِ أَسْرَارِكُمْ، عَلَى أَنْ يُحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ شَائِعًا، وَلَكِنَّ الْبَغْيَ وَالْحَسَدَ كَانَ يَحْمِلُهُمْ عَلَى الْكِتْمَانِ عَنْ غَيْرِهِمْ. هَذَا مَا قَالَهُ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْإِيمَانِ إِظْهَارُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّهْيُ عَنِ تَصْدِيقِ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمْ ; أَيْ الِاعْتِرَافُ لَهُ بِأَنَّهُ صَادِقٌ كَأَنَّهُمْ قَالُوا: إِذَا قَالَ لَكُمْ قَائِلٌ: إِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُؤْتَى غَيْرُكُمْ مِنَ النُّبُوَّةِ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ فَكَذِّبُوهُ وَلَا تُؤْمِنُوا لَهُ، وَالْمَفْهُومُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، وَهُوَ مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ، فِيهِ مِنَ الْخِلَافِ فِي الْأُصُولِ مَا هُوَ مَشْهُورٌ، وَإِذَا قُلْنَا بِهِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ بِأَنْ يُؤْمِنُوا لِبَعْضِ أَهْلِ دِينِهِمْ إِذَا قَالُوا بِهَذَا الْجَوَازِ كَالْمُتَّفِقِينَ مَعَهُمْ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>