للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَالدُّعَاءِ فَقَدْ عَبَدَ هَذِهِ الْوَاسِطَةَ مِنْ دُونِ اللهِ ; لِأَنَّ هَذِهِ الْوَسَاطَةَ تُنَافِي الْإِخْلَاصَ لَهُ وَحْدَهُ.

وَمَتَى انْتَفَى الْإِخْلَاصُ انْتَفَتِ الْعِبَادَةُ ; وَلِذَلِكَ قَالَ: فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ [٣٩: ٢ - ٣] الْآيَةَ فَلَمْ يَمْنَعْ تَوَسُّلُهُمْ بِالْأَوْلِيَاءِ إِلَيْهِ - تَعَالَى - أَنْ يَقُولَ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوهُمْ مِنْ دُونِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " قَالَ اللهُ - تَعَالَى -: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ - وَفِي رِوَايَةٍ - فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ، هُوَ لِلَّذِي عَمِلَ لَهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِذَا جَمَعَ اللهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ نَادَى مُنَادٍ مَنْ أَشْرَكَ فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ لِلَّهِ أَحَدًا فَلْيَطْلُبْ ثَوَابَهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ مَنْ يَتَوَجَّهُ بِعِبَادَتِهِ إِلَى غَيْرِ اللهِ - تَعَالَى - عَلَى أَنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَيْهِ وَمُقَرِّبٌ مِنْهُ وَشَفِيعٌ عِنْدَهُ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِالنَّفْعِ وَدَفْعِ الضُّرِّ لِقُرْبِهِ مِنْهُ، فَتَوَجُّهُهُ هَذَا إِلَيْهِ عِبَادَةٌ لَهُ مُقَدَّرَةٌ بِقَدْرِهَا فَهُوَ عَبْدٌ لَهُ فِي هَذَا الْقَدْرِ مِنَ

التَّوَجُّهِ إِلَيْهِ مِنْ دُونِ اللهِ، وَهَذَا الْوَجْهُ مَعْقُولٌ فِي نَفْسِهِ وَالْأَوَّلُ أَقْوَى لِأَنَّ النُّصُوصَ مُؤَيِّدَةٌ لَهُ، وَقَدْ غَفَلَ عَنْهُ مَنْ أَجَازُوا لِلْعَامَّةِ اتِّخَاذَ أَوْلِيَاءَ يَتَوَجَّهُونَ إِلَيْهِمْ بِالدُّعَاءِ وَطَلَبِ الْحَاجَاتِ وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ تَوَسُّلًا بِهِمْ إِلَى اللهِ إِنَّمَا هُوَ عِبَادَةٌ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ. فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ وَتَلَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَهُ - تَعَالَى -: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي [٤٠: ٦٠] الْآيَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرُهُمْ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ أَيْ وَلَكِنْ يَأْمُرُهُمُ النَّبِيُّ الَّذِي أُوتِيَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ بِأَنْ يَكُونُوا مَنْسُوبِينَ إِلَى الرَّبِّ مُبَاشَرَةً مِنْ غَيْرِ تَوَسُّطِهِ هُوَ وَلَا التَّوَسُّلِ بِشَخْصِهِ وَإِنَّمَا يَهْدِيهِمْ إِلَى الْوَسِيلَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى ذَلِكَ وَهِيَ تَعْلِيمُ الْكِتَابِ وَدِرَاسَتُهُ، فَبِعِلْمِ الْكِتَابِ وَتَعْلِيمِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ يَكُونُ الْإِنْسَانُ رَبَّانِيًّا مَرْضِيًّا عِنْدَ اللهِ - تَعَالَى - ; فَالْكِتَابُ هُوَ وَاسِطَةُ الْقُرْبِ مِنَ اللهِ - تَعَالَى -، وَالرَّسُولُ هُوَ الْوَاسِطَةُ الْمُبَلِّغَةُ لِلْكِتَابِ كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ [٤٢: ٤٨] فَلَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى اللهِ بِشَخْصِ الرَّسُولِ بَلْ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ (رَاجِعْ تَفْسِيرَ آيَةِ ٣١) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَالْآيَاتُ الْمُقَرِّرَةُ لِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا.

قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ مَا مِثَالُهُ مُفَصَّلًا: أَفَادَتِ الْآيَةُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَكُونُ رَبَّانِيًّا بِعِلْمِ الْكِتَابِ وَدَرْسِهِ وَبِتَعْلِيمِهِ لِلنَّاسِ وَنَشْرِهِ، وَمِنَ الْمُقَرَّرِ أَنَّ التَّقَرُّبَ إِلَى اللهِ - تَعَالَى - لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْعَمَلِ بِالْعِلْمِ، وَالْعِلْمُ الَّذِي لَا يَبْعَثُ إِلَى الْعَمَلِ لَا يُعَدُّ عِلْمًا صَحِيحًا ; لِأَنَّ الْعِلْمَ الصَّحِيحَ مَا كَانَ صِفَةً لِلْعَالِمِ وَمَلَكَةً رَاسِخَةً فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ آثَارُ الصِّفَاتِ وَالْمَلَكَاتِ، وَالْمُعَلِّمِ يُعَبِّرُ عَمَّا رَسَخَ فِي نَفْسِهِ، وَمَنْ لَمْ يُحَصِّلْ مِنْ عِلْمِ الْكِتَابِ إِلَّا صُوَرًا وَتَخَيُّلَاتٍ تَلُوحُ فِي الذِّهْنِ وَلَا تَسْتَقِرُّ فِي النَّفْسِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَكُونَ مُعَلِّمًا لَهُ يُفِيضُ الْعِلْمَ عَلَى غَيْرِهِ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ عَامِلًا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ كَمَا ثَبَتَ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالِاخْتِبَارِ، أَيْ فِي نَحْوِ الْعُلُومِ الْفَنِّيَّةِ فَإِنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ مِنَ الْهَنْدَسَةِ إِلَّا بَعْضَ

<<  <  ج: ص:  >  >>