للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ

كَمَا خَتَمَ - تَعَالَى - آيَةَ دَعْوَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَى الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [٣: ٦٤] جَاءَ هُنَا بَعْدَ ذِكْرِ تَوْلِيَتِهِمْ عَنِ الْإِسْلَامِ يَأْمُرُنَا بِالْإِقْرَارِ بِهِ فَقَالَ مُخَاطِبًا لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قُلْ آمَنَّا بِاللهِ أَيْ آمَنْتُ أَنَا وَمَنْ مَعِي بِوُجُودِ اللهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَكَمَالِهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا مِنْ كِتَابِهِ بِالتَّفْصِيلِ وَهَذِهِ الْآيَةُ نَظِيرَ قَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا [٢: ١٣٦] إِلَخْ وَقَدْ عُدِّيَ الْإِنْزَالُ هُنَاكَ بِـ " إِلَى " الدَّالَّةِ عَلَى الْغَايَةِ وَالِانْتِهَاءِ، وَهُنَا بِـ " عَلَى " الَّتِي لِلِاسْتِعْلَاءِ وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ صَحِيحٌ، كَمَا قَالَ فِي الْكَشَّافِ رَامِيًا بِالتَّعَسُّفِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ التَّعَدِّيَتَيْنِ بِاخْتِلَافِ الْمَأْمُورِ بِالْقَوْلِ فِي الْآيَتَيْنِ إِذْ هُوَ هُنَاكَ الْمُؤْمِنُونُ وَهَاهُنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; لِأَنَّ التَّعْدِيَةَ بِـ " إِلَى " وَرَدَتْ فِي خِطَابِ النَّبِيِّ، وَالتَّعْدِيَةَ بِـ " عَلَى " وَرَدَتْ فِي خِطَابِ غَيْرِهِ فِي آيَاتٍ أُخْرَى. وَقَدَّمَ الْإِيمَانَ بِاللهِ عَلَى الْإِيمَانِ بِإِنْزَالِ الْوَحْيِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ الْأَوَّلُ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ وَالْوَحْيُ فَرْعٌ لَهُ، إِذْ هُوَ وَحْيُهُ - تَعَالَى - إِلَى رُسُلِهِ.

وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ أَيْ وَآمَنَّا بِمَا أُنْزِلَ عَلَى هَؤُلَاءِ بِالْإِجْمَالِ أَيْ صَدَّقْنَا بِأَنَّ اللهَ - تَعَالَى - أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ وَحْيًا لِهِدَايَةِ أَقْوَامِهِمْ، وَأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا فِي أَصْلِهِ وَجَوْهَرِهِ وَالْقَصْدِ مِنْهُ أَخْبَرَنَا

اللهُ - تَعَالَى - فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [٨٧: ١٤] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ وَقَوْلِهِ: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ [٣٥: ٣٦، ٣٧] إِلَخْ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ [٤: ١٦٣] إِلَخْ. وَأَمَّا عَيْنُ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ فِي أَيْدِي الْأُمَمِ شَيْءٌ يُعْتَمَدُ عَلَى نَقْلِهِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى مِنَ التَّوْرَاةِ لِلْأَوَّلِ وَالْإِنْجِيلِ لِلثَّانِي، (وَ) مَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ كَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يَقُصَّ اللهُ عَلَيْنَا خَبَرَهُمْ، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَصَّهُ عَلَيْنَا وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَقْصُصْهُ، فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَنَا أَنَّ نَبِيًّا ظَهَرَ فِي الْهِنْدِ أَوِ الصِّينِ قَبْلَ خَتْمِ النُّبُوَّةِ نُؤْمِنُ بِهِ. وَارْجِعْ إِلَى آيَةِ الْبَقَرَةِ فِي اسْتِبَانَةِ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّعْبِيرِ بِالْإِنْزَالِ وَالتَّعْبِيرِ بِالْإِتْيَانِ، قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>