للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَفِي هَذَا الْمَقَامِ أَوْرَدَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ هَذَا السُّؤَالَ: هَلْ قَامَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ الْأَمْرِ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ وَانْتَهَوْا عَنْ هَذَا النَّهْيِ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا؟ وَجَعَلَ ذَلِكَ مَجَالًا لِتَفَكُّرِ طُلَّابِ الْعِلْمِ، وَأَمَّا جَوَابُهُ هُوَ فَكَمَا نَقَلْنَا لَكَ عَنِ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَعَنْ شَيْخِهِ، وَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ فِي نَفْسِهِ وَفِي الْوَعِيدِ الْمَذْكُورَيْنِ آنِفًا، وَإِذَا كَانَ لَا يَزَالُ فِي عُلَمَاءِ الرُّسُومِ مِنَّا مَنْ يَقُولُ وَيَعْتَقِدُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي فَلَاحٍ وَفَوْزٍ فَقَدْ عَلِمَ سَائِرُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ جَمِيعِ الطَّبَقَاتِ فِي أَكْثَرِ الْبِلَادِ أَنَّهُمْ قَدْ فَقَدُوا عِزَّهُمْ وَاسْتِقْلَالَهُمْ، وَأَنَّهُمْ مُعَذَّبُونَ بِمَا فَقَدُوا وَبِمَا يَتَوَقَّعُونَ أَنْ يَفْقِدُوا مِمَّا بَقِيَ لَهُمْ، وَأَنَّ أَذْكِيَاءَ شُعُوبِهِمْ يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى بُعْدِ الدَّارِ وَقُرْبِهِ عَنْ طَرِيقِ عِلَاجِ الدَّاءِ، قَبْلَ الْإِبْدَاءِ، وَالتَّمَاسِ الشِّفَاءِ قَبْلَ الْإِشْفَاءِ، وَالْعِلَاجُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَمَتَى يُبْصِرُونَ! وَالطَّبِيبُ يُنَادِيهِمْ فَأَنَّى يَسْمَعُونَ؟ عَسَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَرِيبًا.

ذَلِكَ الْعَذَابُ الْعَظِيمُ يَكُونُ لِلْمُتَفَرِّقِينَ الْمُخْتَلِفِينَ.

يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ

قِيلَ: إِنَّ بَيَاضَ الْوُجُوهِ وَسَوَادَهَا هُنَا مِنْ بَابِ الْحَقِيقَةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خَاصَّةً، وَاحْتَجَّ صَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ بِمِثْلِ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ [٣٩: ٦٠] وَقِيلَ - وَهُوَ الرَّاجِحُ - إِنَّهُ مِنْ بَابِ الْكِنَايَةِ. قَالَ الرَّاغِبُ فِي مَادَّةٍ (بَيَضَ) مِنْ مُفْرَدَاتِهِ بَعْدَ ذِكْرِ الْآيَةِ " وَلَمَّا كَانَ الْبَيَاضُ أَفْضَلَ الْأَلْوَانِ عِنْدَهُمْ كَمَا قِيلَ: الْبَيَاضُ أَفْضَلُ وَالسَّوَادُ أَهْوَلُ، وَالْحُمْرَةُ أَجْمَلُ وَالصُّفْرَةُ أَشْكَلُ: عَبَّرَ عَنِ الْفَضْلِ وَالْكَرَمِ بِالْبَيَاضِ حَتَّى قِيلَ لِمَنْ لَمْ يَتَدَنَّسْ بِمُعَابٍ هُوَ أَبْيَضُ الْوَجْهِ، وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ فَابْيِضَاضُ الْوُجُوهِ عِبَارَةٌ عَنِ الْمَسَرَّةِ وَاسْوِدَادُهَا عِبَارَةٌ عَنِ الْغَمِّ وَعَلَى ذَلِكَ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا [١٦: ٥٨] وَعَلَى نَحْوِ الِابْيِضَاضِ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ [٨٠: ٣٨، ٣٩] اهـ.

وَقَالَ فِي مَادَّةِ (سَوَدَ) : " السَّوَادُ: اللَّوْنُ الْمُضَادُّ لِلْبَيَاضِ. يُقَالُ اسْوَدَّ وَاسْوَادَّ. قَالَ: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَابْيِضَاضُ الْوُجُوهِ عِبَارَةٌ عَنِ الْمَسَرَّةِ وَاسْوِدَادُهَا عِبَارَةٌ عَنِ الْمَسَاءَةِ وَنَحْوُهُ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ [١٦: ٥٨] وَحَمَلَ بَعْضُهُمُ الِابْيِضَاضَ وَالِاسْوِدَادَ عَلَى الْمَحْسُوسِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ; لِأَنَّ ذَلِكَ حَاصِلٌ لَهُمْ سُودًا كَانُوا فِي الدُّنْيَا أَوْ بِيضًا، وَعَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْبَيَاضِ: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ [٧٥: ٢٢] وَقَوْلُهُ فِي السَّوَادِ: وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ [٧٥: ٢٤] وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ [٨٠: ٤٠، ٤١] وَقَالَ: وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا [١٠: ٢٧] وَعَلَى هَذَا النَّحْوِ مَا رُوِيَ " أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يُحْشَرُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ " اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>