للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ أَلَّا يُمِسَّ رَأْسَهُ مَاءً مِنْ جَنَابَةٍ حَتَّى يَغْزُوَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَرَجَ فِي مِائَةِ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ حَتَّى أَتَى بَنِي النَّضِيرِ لَيْلًا وَبَاتَ لَيْلَةً وَاحِدَةً عِنْدَ سَلَّامِ بْنِ مِشْكَمٍ الْيَهُودِيِّ سَيِّدِ بَنِي النَّضِيرِ وَصَاحِبِ كَنْزِهِمْ فَسَقَاهُ الْخَمْرَ وَبَطَّنَ لَهُ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ، ثُمَّ خَرَجَ فِي عَقِبِ لَيْلَتِهِ وَأَرْسَلَ أَصْحَابَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ. يُقَالُ لَهَا الْعُرَيْضُ، فَقَطَّعُوا وَحَرَّقُوا صُوَرًا مِنَ النَّخْلِ، وَرَأَوْا رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ وَحَلِيفًا لَهُ فَقَتَلُوهُمَا، وَنُذِرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَرَجَ فِي طَلَبِهِمْ، فَلَمْ يُدْرِكْهُمْ ; لِأَنَّهُمْ فَرُّوا وَأَلْقَوْا سَوِيقًا كَثِيرًا مِنْ أَزْوَادِهِمْ يَتَخَفَّفُونَ بِهِ فَسُمِّيَتْ غَزْوَةُ السَّوِيقِ. وَكَانَتْ بَعْدَ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهَا قَبْلَ ذِكْرِ أُحُدٍ لِيَعْلَمَ الْقَارِئُ أَنَّ الْعُدْوَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَانَ مُتَّصِلًا مُتَلَاحِقًا! ! .

وَلَمَّا رَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى مَكَّةَ أَخَذَ يُؤَلِّبُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ

بَعْدَ قَتْلِ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فِي بَدْرٍ هُوَ السَّيِّدَ الرَّئِيسَ فِيهِمْ، لِذَلِكَ كَلَّمَهُ - فِي أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ - الْمَوْتُورُونَ مِنْ عُظَمَاءِ قُرَيْشٍ، كَعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ لِيَبْذُلَ مَالَ الْعِيرِ الَّتِي كَانَ جَاءَ بِهَا مِنَ الشَّامِ فِي أَخْذِ الثَّأْرِ، فَرَضِيَ هُوَ وَأَصْحَابُ الْعِيرِ بِذَلِكَ، وَكَانَ مَالُ الْعِيرِ - كَمَا فِي السِّيرَةِ الْحَلَبِيَّةِ - خَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ رَبِحَتْ مِثْلَهَا، فَبَذَلُوا الرِّبْحَ فِي هَذِهِ الْحَرْبِ، فَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ لِلْحَرْبِ حِينَ فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَخَرَجَتْ بِحَدِّهَا وَأَحَابِيشِهَا وَمَنْ أَطَاعَهَا مِنْ قَبَائِلِ كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَةَ، فَكَانُوا نَحْوَ ثَلَاثَةِ آلَافٍ وَأَخَذُوا مَعَهُمْ نِسَاءَهُمُ الْتِمَاسَ الْحَفِيظَةِ وَأَلَّا يَفِرُّوا ; فَإِنَّ الْفِرَارَ بِالنِّسَاءِ عَسِرٌ وَالْفِرَارَ دُونَهُنَّ عَارٌ، وَكَانَ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ - وَهُوَ الْقَائِدُ - زَوْجُهُ هِنْدُ ابْنَةُ عُتْبَةَ، فَكَانَتْ تُحَرِّضُ الْغُلَامَ وَحْشِيًّا الْحَبَشِيَّ الَّذِي أَرْسَلَهُ مَوْلَاهُ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ لِيَقْتُلَ حَمْزَةَ عَمَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَمِّهِ طُعْمَةَ بْنِ عَدِيٍّ الَّذِي قُتِلَ بِبَدْرٍ، وَقَدْ عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَى قَتْلِهِ. وَكَانَ هَذَا الْحَبَشِيُّ مَاهِرًا فِي الرَّمْيِ بِالْحَرْبَةِ عَلَى بُعْدٍ قَلَّمَا يُخْطِئُ، فَكَانَتْ هِنْدٌ كُلَّمَا رَأَتْهُ فِي الْجَيْشِ تَقُولُ لَهُ: " وَيْهًا أَبَا دَسَمَةَ اشْفِ وَاشْتَفِ " تُخَاطِبُهُ بِالْكُنْيَةِ تَكْرِيمًا لَهُ. وَذَكَرَ الْحَلَبِيُّ أَنَّهُمْ سَارُوا أَيْضًا بِالْقِيَانِ وَالدُّفُوفِ وَالْمَعَازِفِ وَالْخُمُورِ.

نَزَلَ أَبُو سُفْيَانَ بِجَيْشِهِ قَرِيبًا مِنْ أُحُدٍ فِي مَكَانٍ يُقَالُ لَهُ " عِينِينَ " عَلَى شَفِيرِ الْوَادِي

<<  <  ج: ص:  >  >>