للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطَّائِفَةِ بِالطَّرَفِ لِأَنَّهُمُ الْأَقْرَبُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْوَسَطِ، أَوْ أَرَادَ بِهِمُ الْأَشْرَافَ مِنْهُمْ - كَذَا قِيلَ - وَالْمُتَبَادِرُ الْأَوَّلُ لَا لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ [٩: ١٢٣] كَمَا قِيلَ، بَلْ لِأَنَّ الطَّرَفَ هُوَ أَوَّلُ مَا يُوصَلُ إِلَيْهِ مِنَ الْجَيْشِ، وَقَدْ أَهْلَكَ اللهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ طَائِفَةً فِي أَوَّلِ الْحَرْبِ، رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ السُّدِّيِّ أَنَّهُ قَالَ: ذَكَرَ اللهُ قَتْلَى الْمُشْرِكِينَ - يَعْنِي بِأُحُدٍ - وَكَانُوا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَقَالَ: لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَخْ. وَنَقُولُ: قَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ أَنَّ قَتْلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ كَانُوا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَرَدَّ عَلَيْهِمْ آخَرُونَ بِأَنَّ حَمْزَةَ وَحْدَهُ قَتَلَ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ، وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ سَبَبَ غَلَطِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ الْقَوْلَ هُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ أَرَادَ عَدَّ قَتْلَى الْمُشْرِكِينَ فَعَدَّ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَخَذُوا قَتْلَاهُمْ أَوْ دَفَنُوهُمْ لِئَلَّا يُمَثِّلَ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ الْمَعْرَكَةِ كَمَا مَثَّلُوا هُمْ بِالْمُسْلِمِينَ عِنْدَمَا أَصَابُوا الْغِرَّةَ مِنْهُمْ، وَهَذَا هُوَ

الْمَعْقُولُ. وَانْتَظِرْ أَيُّهَا الْقَارِئُ قَوْلَهُ - تَعَالَى -: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا [٩: ١٦٥] الْآيَةَ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَقَدْ فَسَّرُوهُ بِأَقْوَالٍ: مِنْهَا أَنَّ مَعْنَاهُ يُخْزِيهِمْ، وَمِنْهَا أَنَّ مَعْنَاهُ يَصْرَعُهُمْ لِوُجُوهِهِمْ وَفِي الْأَسَاسِ: كَبَتَ اللهُ عَدُوَّهُ: أَكَبَّهُ وَأَهْلَكَهُ، وَلَكِنَّ صَاحِبَ الْأَسَاسِ فَسَّرَ الْكَلِمَةَ فِي الْكَشَّافِ بِقَوْلِهِ: " لِيُخْزِيَهُمْ، وَيَغِيظَهُمْ بِالْهَزِيمَةِ ". وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْكَبْتُ: الرَّدُّ بِعُنْفٍ وَتَذْلِيلٍ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: " أَوْ يُخْزِيهِمْ. وَالْكَبْتُ شِدَّةُ الْغَيْظِ أَوْ وَهَنٌ يَقَعُ فِي الْقَلْبِ " وَكُلُّ هَذِهِ الْمَعَانِي وَرَدَتْ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ، وَصَرَّحَ الْبَيْضَاوِيُّ بِأَنَّ (أَوْ) هُنَا لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّرْدِيدِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَقْطَعُ طَرَفًا وَطَائِفَةً وَيَكْبِتُ طَائِفَةً أُخْرَى، أَيْ وَيَتُوبُ عَلَى طَائِفَةٍ وَيُعَذِّبُ طَائِفَةً كَمَا فِي الْآيَةِ الْآتِيَةِ.

لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ جُمْلَةُ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ هَذَا التَّقْسِيمِ، وَمَا بَعْدَهَا مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا. وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مِمَّا نَزَلَ فِي وَقْعَةِ أُحُدٍ كَمَا رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ تَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ الَّتِي قَبْلَهَا كَذَلِكَ وَإِلَّا كَانَتْ غَيْرَ مَفْهُومَةٍ إِلَّا بِتَكَلُّفٍ يُنَزَّهُ الْقُرْآنُ عَنْ مِثْلِهِ عَلَى كَوْنِهِ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ.

أَمَّا كَوْنُهَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ وَقْعَةِ أُحُدٍ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا. رَوَى أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ: اللهُمَّ الْعَنْ أَبَا سُفْيَانَ، اللهُمَّ الْعَنِ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامً، اللهُمَّ الْعَنْ سُهَيْلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>