للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جَمِيعِ الْمُعَامَلَاتِ الْبَاطِلَةِ وَالْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ فِي غَيْرِ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَمْ يُحَرِّمِ الرِّبَا وَلَا غَيْرَهُ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ صَارَ لَهُ سُلْطَةٌ وَحُكْمٌ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ، وَكَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْمَجَالَ وَاسِعًا لِلْبَحْثِ فِي بِلَادِ الْهِنْدِ هَلْ هِيَ دَارُ إِسْلَامٍ أَمْ لَا؟ دُونَ بِلَادِ مِصْرَ الَّتِي لَا تَزَالُ حُكُومَتُهَا الرَّسْمِيَّةُ إِسْلَامِيَّةً بِحَسَبِ

قَوَانِينِ الدُّوَلِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنَ السُّلْطَانِ صَاحِبِ السِّيَادَةِ عَلَى هَذِهِ الْبِلَادِ وَالْأَمِيرِ وَالْقَاضِي النَّائِبِينَ عَنْهُ فِيهَا لَا يَسْتَطِيعُونَ مَنْعَ الرِّبَا مِنْهَا وَلَا غَيْرَ الرِّبَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي أَبَاحَهَا الْقَانُونُ الْمِصْرِيُّ.

وَالْأَضْعَافُ جَمْعُ قِلَّةٍ لِضِعْفٍ (بِكَسْرِ الضَّادِ) وَضِعْفُ الشَّيْءِ مِثْلُهُ الَّذِي يَثْنِيهِ فَضِعْفُ الْوَاحِدِ وَاحِدٌ فَهُوَ إِذَا أُضِيفَ إِلَيْهِ ثَنَّاهُ، وَهُوَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُتَضَايِفَةِ، أَيِ الَّتِي يَقْتَضِي وُجُودُهَا وُجُودَ آخَرَ مِنْ جِنْسِهَا كَالنِّصْفِ وَالزَّوْجِ وَيَخْتَصُّ بِالْعَدَدِ، فَإِذَا ضَاعَفْتَ الشَّيْءَ ضَمَمْتَ إِلَيْهِ مِثْلَهُ مَرَّةً فَأَكْثَرَ. قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: إِذَا قُلْنَا إِنَّ الْأَضْعَافَ الْمُضَاعَفَةَ فِي الزِّيَادَةِ فَقَطْ (الَّتِي هِيَ الرِّبَا) يَصِحُّ مَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُ (الْجَلَالُ) فِي تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ بِتَأْخِيرِ أَجَلِ الدَّيْنِ وَالزِّيَادَةِ فِي الْمَالِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي كَانَ مَعْرُوفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَيَصِحُّ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ الْأَضْعَافُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى رَأْسِ الْمَالِ وَهَذَا وَاقِعٌ الْآنَ، فَإِنَّنِي رَأَيْتُ فِي مِصْرَ مَنِ اسْتَدَانَ بِرِبَا ثَلَاثَةٍ فِي الْمِائَةِ كُلَّ يَوْمٍ، فَانْظُرْ كَمْ ضِعْفًا يَكُونُ فِي السَّنَةِ! وَقَدْ قَالَ: (مُضَاعَفَةً) بَعْدَ ذِكْرِ الْأَضْعَافِ كَأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ يَكُونُ ابْتِدَاءً عَلَى الْأَضْعَافِ ثُمَّ تَأْتِي الْمُضَاعَفَةُ بَعْدَ ذَلِكَ بِتَأْخِيرِ الْأَجَلِ وَزِيَادَةِ الْمَالِ.

وَأَقُولُ: حَاصِلُ الْمَعْنَى لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا حَالَ كَوْنِهِ أَضْعَافًا تُضَاعَفُ بِتَأْخِيرِ أَجَلِ الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ رَأْسُ الْمَالِ، وَزِيَادَةُ الْمَالِ ضِعْفُ مَا كَانَ كَمَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ; فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُبِيحُ لَكُمْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْقَسْوَةِ وَالْبُخْلِ وَاسْتِغْلَالِ ضَرُورَةِ الْمُعْوِزِ أَوْ حَاجَتَهُ وَاتَّقُوا اللهَ فِي أَهْلِ الْحَاجَةِ وَالْبُؤْسِ فَلَا تُحَمِّلُوهُمْ مِنَ الدَّيْنِ هَذِهِ الْأَثْقَالَ الَّتِي تَرْزَحُهُمْ وَرُبَّمَا تُخْرِبُ بُيُوتَهُمْ لَعَلَّكُمْ تَفْلَحُونَ فِي دُنْيَاكُمْ بِالتَّرَاحُمِ وَالتَّعَاوُنِ فَتَتَحَابُّونَ، وَالْمَحَبَّةُ أُسُّ السَّعَادَةِ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ الَّذِينَ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الطَّمَعُ وَالْبُخْلُ فَكَانُوا فِتْنَةً لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَأَعْدَاءِ الْبَائِسِينَ وَالْمُعْوِزِينَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فِيمَا نَهَيا عَنْهُ مِنْ أَكْلِ الرِّبَا وَمَا أَمَرَا بِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ فِي الدُّنْيَا بِمَا تُفِيدُكُمُ الطَّاعَةُ مِنْ صَلَاحِ حَالِ مُجْتَمَعِكُمْ، وَفِي الْآخِرَةِ بِحُسْنِ الْجَزَاءِ عَلَى أَعْمَالِكُمْ ; فَإِنَّ الرَّاحِمِينَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ، وَقَدْ رَوَيْنَاهُ مُسَلْسَلًا.

قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: قَوْلُهُ: وَاتَّقُوا النَّارَ إِلَخْ وَعِيدٌ لِلْمُرَابِينَ بِجَعْلِهِمْ مَعَ الْكَافِرِينَ إِذَا عَمِلُوا فِيهِ عَمَلَهُمْ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ إِلَى أَنَّ الرِّبَا قَرِيبٌ مِنَ الْكُفْرِ. وَهَذَا الْقَوْلُ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ تَأْكِيدٌ بَعْدَ تَأْكِيدٍ، ثُمَّ أَكَّدَهُ أَيْضًا بِالْأَمْرِ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ الرَّسُولِ، فَمُؤَكِّدَاتُ التَّنْفِيرِ مِنَ الرِّبَا أَرْبَعَةٌ. وَقَدْ قُلْنَا مِنْ قَبْلُ: إِنَّ مَسْأَلَةَ الرِّبَا لَيْسَتْ مَدَنِيَّةً مَحْضَةً بَلْ هِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>