للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ

نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي شَأْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ سِيَاقِ الْحِكَمِ وَالْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِغَزْوَةِ أُحُدٍ، وَلَكِنْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ قَوْلَهُ - تَعَالَى -: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ قَدْ نَزَلَ فِي قَطِيفَةٍ حَمْرَاءَ فُقِدَتْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَعَلَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا، وَقَدْ ضَعَّفَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ - وَإِنْ حَسَّنَهَا التِّرْمِذِيُّ - لِأَنَّ السِّيَاقَ كُلَّهُ فِي وَقْعَةِ أُحُدٍ، وَرَجَّحُوا عَلَيْهَا مَا رُوِيَ عَنِ الْكَلْبِيِّ وَمُقَاتِلٍ مِنْ أَنَّ الرُّمَاةَ قَالُوا حِينَ تَرَكُوا الْمَرْكَزَ الَّذِي وَضَعَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ: نَخْشَى أَنْ يَقُولَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ " وَأَلَّا يُقَسِّمَ الْغَنَائِمَ كَمَا لَمْ يُقَسِّمْ يَوْمَ بَدْرٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَظَنَنْتُمْ أَنَّنَا نَغُلُّ وَلَا نَقْسِمُ لَكُمْ؟ وَلِهَذَا نَزَلَتِ الْآيَةُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ وَابْنُ جَرِيرٍ مُرْسَلًا عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: " بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَائِعَ فَغَنِمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَنِيمَةً، فَقَسَمَ بَيْنَ النَّاسِ وَلَمْ يَقْسِمْ لِلطَّلَائِعِ، فَلَمَّا قَدِمَتِ الطَّلَائِعُ قَالُوا: قَسَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَقْسِمْ لَنَا، فَأَنْزَلَ اللهُ - تَعَالَى - الْآيَةَ ".

قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: الصَّوَابُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتٍ هَذِهِ الْوَقْعَةِ كَالْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا وَكَثِيرٍ مِمَّا يَأْتِي بَعْدَهَا.

وَأَصْلُ الْغُلِّ: الْأَخْذُ بِخُفْيَةٍ كَالسَّرِقَةِ، وَغَلَبَ فِي السَّرِقَةِ مِنَ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَتُسَمَّى غُلُولًا. قَالَ الرُّمَّانِيُّ وَغَيْرُهُ: أَصْلُ الْغُلُولِ مِنَ الْغَلَلِ وَهُوَ دُخُولُ الْمَاءِ فِي خَلَلِ الشَّجَرِ، وَسُمِّيَتِ الْخِيَانَةُ غُلُولًا لِأَنَّهَا تَجْرِي فِي الْمُلْكِ عَلَى خَفَاءٍ مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي يَحِلُّ، وَمِنْ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>