للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا

قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: افْتَتَحَ - سُبْحَانَهُ - السُّورَةَ بِتَذْكِيرِ النَّاسِ الْمُخَاطَبِينَ بِأَنَّهُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، فَكَانَ هَذَا تَمْهِيدًا وَبَرَاعَةَ مَطْلَعٍ لِمَا فِي السُّورَةِ مِنْ أَحْكَامِ الْقَرَابَةِ بِالنَّسَبِ، وَالْمُصَاهَرَةِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الْأَنْكِحَةِ، وَالْمَوَارِيثِ، فَبَيَّنَ الْقَرَابَةَ الْعَامَّةَ بِالْإِجْمَالِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْأَرْحَامَ، وَشَرَعَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَفْصِيلِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا.

وَسُمِّيَتْ سُورَةَ النِّسَاءِ ; لِأَنَّهَا افْتُتِحَتْ بِذِكْرِ النِّسَاءِ، وَبَعْضِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِنَّ، وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: يَا أَيُّهَا النَّاسُ خِطَابٌ عَامٌّ لَيْسَ خَاصًّا بِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ، فَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهَا بِأَهْلِ مَكَّةَ كَمَا فَعَلَ الْمُفَسِّرُ (الْجَلَالُ) لَاسِيَّمَا مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ السُّورَةَ مَدَنِيَّةٌ إِلَّا آيَةً وَاحِدَةً فِيهَا شَكٌّ، هَلْ هِيَ مَدَنِيَّةٌ أَمْ مَكِّيَّةٌ. وَلَفَظُ النَّاسِ اسْمٌ لِجِنْسِ الْبَشَرِ، قِيلَ: أَصْلُهُ " أُنَاسٌ " فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ عِنْدَ إِدْخَالِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ عَلَيْهِ.

أَقُولُ: وَقَدْ عَزَا الرَّازِيُّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْخِطَابَ لِأَهْلِ مَكَّةَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ

عَنْهُ -، وَقَالَ: وَأَمَّا الْأُصُولِيُّونَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ عَامٌّ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، وَأَيَّدَهُ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: كَوْنِ اللَّامِ فِي النَّاسِ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَكَوْنِ جَمِيعِهِمْ مَخْلُوقِينَ، وَمَأْمُورِينَ بِالتَّقْوَى. وَأَذْكُرُ أَنَّ أَقْدَمَ عِبَارَةٍ سَمِعْتُهَا فِي التَّفْسِيرِ فَوَعَيْتُهَا وَأَنَا صَغِيرٌ عَنْ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللهُ - هِيَ قَوْلُهُ: إِنَّ اللهَ - تَعَالَى - كَانَ يُنَادِي أَهْلَ مَكَّةَ بِقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ وَأَهْلَ الْمَدِينَةِ بِقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُنَادِ الْكُفَّارَ بِوَصْفِ الْكُفْرِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي سُورَةِ التَّحْرِيمِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ [٦٦: ٧] وَهَذَا إِخْبَارٌ عَمَّا يُنَادَوْنَ بِهِ فِي الْآخِرَةِ.

وَأَقُولُ: إِنَّ كَلِمَةَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كَثِيرَةٌ فِي السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ كَالْأَعْرَافِ، وَيُونُسَ، وَالْحَجِّ، وَالنَّمْلِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَوَرَدَتْ أَيْضًا فِي الْبَقَرَةِ، وَالنِّسَاءِ، وَالْحُجُرَاتِ مِنَ السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ، فَخِطَابُ أَهْلِ مَكَّةَ فِيهَا هُوَ الْغَالِبُ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَعُمُّ غَيْرَهُمْ، وَوُرُودُهَا فِي السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>