للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) وَالْعَمَهُ: عَمَى الْقَلْبِ وَظُلْمَةُ الْبَصِيرَةِ، وَأَثَرُهُ الْحَيْرَةُ وَالِاضْطِرَابُ، وَعَدَمُ الِاهْتِدَاءِ لِلصَّوَابِ.

أَقُولُ: هَذَا مُلَخَّصُ سِيَاقِ الدَّرْسِ، وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْعَمَهُ: التَّرَدُّدُ فِي الْأَمْرِ مِنَ التَّحَيُّرِ، يُقَالُ: عَمَهَ فَهُوَ عَمِهٌ، وَعَامِهٌ، وَجَمْعُهُ: عُمُّهٌ (بِالتَّشْدِيدِ) اهـ.

وَالِاسْتِهْزَاءُ: فِعْلُ الْهَزْءِ - بِسُكُونِ الزَّايِ وَضَمِّهَا - وَقَصْدُهُ بِالْعَمَلِ، وَهُوَ اسْمٌ مَنْ هَزِئْتُ بِهِ وَمِنْهُ، وَفِي لُغَةٍ هَزَأْتُ، فَهُوَ مِنْ بَابَيْ تَعِبَ وَنَفَعَ - وَاسْتَهْزَأْتُ بِهِ، أَيِ اسْتَخْفَفْتُ بِهِ وَسَخِرْتُ مِنْهُ.

وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: وَالِاسْتِهْزَاءُ السُّخْرِيَةُ وَالِاسْتِخْفَافُ، يُقَالُ: هَزَأْتُ بِهِ وَاسْتَهْزَأْتُ بِمَعْنًى - كَأَجَبْتُ وَاسْتَجَبْتُ، وَأَصْلُهُ الْخِفَّةُ، وَمِنَ الْهُزُؤِ: وَهُوَ الْقَتْلُ السَّرِيعُ، يُقَالُ: هَزَأَ فُلَانٌ إِذَا مَاتَ، وَنَاقَتُهُ تَهْزَأُ بِهِ، أَيْ تُسْرِعُ وَتَخِفُّ، وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْهَزْءُ مَزْحٌ فِي خُفْيَةٍ، وَقَدْ يُقَالُ لِمَا هُوَ كَالْمَزْحِ، ثُمَّ قَالَ: وَالِاسْتِهْزَاءُ ارْتِيَادُ الْهُزُؤِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ تَعَاطِي الْهُزُؤِ كَالِاسْتِجَابَةِ فِي كَوْنِهَا ارْتِيَادًا لِلْإِجَابَةِ وَإِنْ كَانَ يَجْرِي مَجْرَى الْإِجَابَةِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ آيَاتٍ مِنَ الشَّوَاهِدِ: وَالِاسْتِهْزَاءُ مِنَ اللهِ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَصِحُّ كَمَا لَا يَصِحُّ مِنَ اللهِ اللهْوُ وَاللَّعِبُ - تَعَالَى الله عَنْهُ - وَقَوْلُهُ: (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) أَيْ يُجَازِيهِمْ جَزَاءَ الْهُزُؤِ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ أَمْهَلَهُمْ مُدَّةً ثُمَّ أَخَذَهُمْ مُغَافَصَةً (أَيْ مُفَاجَأَةً عَلَى غِرَّةٍ) فَسَمَّى إِمْهَالَهُ إِيَّاهُمُ اسْتِهْزَاءً مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمُ اغْتَرُّوا بِهِ اغْتِرَارَهُمْ بِالْهُزُؤِ فَيَكُونُ ذَلِكَ كَالِاسْتِدْرَاجِ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ اهـ.

وَأَشْهَرُ الْأَقْوَالِ: إِنَّ مَعْنَاهُ يُجَازِيهِمْ بِالْعِقَابِ عَلَى اسْتِهْزَائِهِمْ أَوْ يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ الْمُسْتَهْزِئِ بِهِمْ (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا) (٥٧: ١٣) الْآيَةَ. وَقَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ) - إِلَى قَوْلِهِ - (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ) (٨٣: ٢٩ - ٣٥) وَقِيلَ: إِنَّ اسْتِهْزَاءَهُ تَعَالَى بِهِمْ إِجْرَاؤُهُ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا كَمَا مَرَّ فِي خِدَاعِهِ لَهُمْ.

وَالطُّغْيَانُ: مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فِي الْعِصْيَانِ، مَأْخُوذٌ مِنْ طُغْيَانِ الْمَاءِ، وَهُوَ تَجَاوُزُ

فَيَضَانِهِ الْحَدَّ الْمَأْلُوفَ.

وَالْمَدُّ: الزِّيَادَةُ فِي الشَّيْءِ مُتَّصِلَةٌ بِهِ، يُقَالُ: مَدَّ الْبَحْرُ زَادَ وَارْتَفَعَ مَاؤُهُ وَانْبَسَطَ وَمَدَّهُ اللهُ، قَالَ تَعَالَى: (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) (٣١: ٢٧) وَمَدُّ الْبَحْرِ يُقَابِلُهُ الْجَزْرُ، وَهُوَ: انْحِسَارُ مَائِهِ عَنِ السَّاحِلِ وَنُقْصَانُ امْتِدَادِهِ، وَيُسَمَّى السَّيْلُ مَدًّا مِنْ قَبِيلِ التَّسْمِيَةِ بِالْمَصْدَرِ، وَمِنْهُ الْمُدَّةُ مِنَ الزَّمَانِ، وَالْمَدَدُ - بِالتَّحْرِيكِ - لِلْجَيْشِ، يُقَالُ مَدَّهُ وَأَمَدَّهُ. قَالَ تَعَالَى: (قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا) (١٩: ٧٥) وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَيَانٍ لِهَذَا الْمَعْنَى فِي تَفْسِيرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>