للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَدْ بَيَّنَّا حَاجَةَ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ إِلَى مَوَدَّةِ الْآخَرِ، وَرَحْمَتِهِ، وَلَا سِيَّمَا فِي حَالِ الضَّعْفِ وَالْعَجْزِ فِي مَقَالَاتِ (الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ) فَتُرَاجَعْ فِي الْمُجَلَّدِ الثَّامِنِ مِنَ الْمَنَارِ، وَرُبَّمَا نُودِعُ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [٣٠: ٢١] .

هَذَا، وَإِنَّ التَّعْلِيلَ فِي الْآيَةِ يُرْشِدُنَا إِلَى قَاعِدَةٍ عَامَّةٍ تَأْتِي فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ لَا فِي

النِّسَاءِ خَاصَّةً، وَهِيَ أَنَّ بَعْضَ مَا يَكْرَهُهُ الْإِنْسَانُ يَكُونُ فِيهِ خَيْرٌ لَهُ، مَتَى جَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرُ تَظْهَرُ قِيمَةُ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمَكْرُوهِ، وَهِيَ قَاعِدَةٌ عَرَفَ الْعُقَلَاءُ صِدْقَهَا بِالتَّجَارِبِ، وَلِأَجْلِ التَّنْبِيهِ لَهَا قَالَ - تَعَالَى -: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا [٢: ٢١٦] وَلَمْ يَقُلْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا امْرَأَةً، ثُمَّ إِنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى الْمَكْرُوهِ وَاحْتِمَالِهِ فَوَائِدَ أُخْرَى غَيْرَ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَكْرُوهِ نَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ الْمَحْبُوبِ، فَالصَّابِرُ الْمُحْتَمِلُ يَسْتَفِيدُ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ بِصَبْرِهِ، وَرَوِيَّتِهِ سَوَاءٌ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ فِي ذَاتِهِ خَيْرٌ أَمْ لَا، وَمِنَ الْمَكْرُوهِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ خَيْرٌ الْقِتَالُ بِالْحَقِّ لِأَجْلِ حِمَايَةِ الْحَقِّ، وَالدِّفَاعِ عَنْهُ فَهُوَ بِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ مَكْرُوهٌ طَبْعًا، وَنَاهِيكَ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ إِظْهَارِ الْحَقِّ، وَنَصْرِهِ، وَظُهُورِ أَهْلِهِ، وَخِذْلَانِ الْبَاطِلِ وَحِزْبِهِ - رَاجِعْ تَفْسِيرَ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَلِلْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ كَلَامٌ حَسَنٌ هُنَاكَ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا شَيْءٌ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِسْلَامَ يُوصِي أَهْلَهُ بِحُسْنِ مُعَاشَرَةِ النِّسَاءِ، وَالصَّبْرِ عَلَيْهِنَّ إِذَا كَرِهْنَ الْأَزْوَاجَ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِنَّ خَيْرٌ.

وَإِنَّمَا يُبِيحُ مُؤَاخَذَتَهُنَّ بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْعَضْلِ حَتَّى يَفْتَدِينَ بِالْمَالِ إِذَا أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ بِحَيْثُ يَكُونُ إِمْسَاكُهُنَّ سَبَبًا لِمَهَانَةِ الرَّجُلِ وَاحْتِقَارِهِ، أَوْ إِذَا خَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ كَمَا فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ. وَإِلَّا وَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا جَمِيعَ حَقِّهَا وَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ -:

[٢: ٢١٦] وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَيْ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ جَدِيدَةٍ تَرْغَبُونَ فِيهَا مَكَانَ زَوْجٍ سَابِقَةٍ تَرْغَبُونَ عَنْهَا لِكَرَاهَتِكُمْ لَهَا وَعَدَمِ طَاقَتِكُمُ الصَّبْرَ عَلَى مُعَاشَرَتِهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَهِيَ لَمْ تَأْتِ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، وَقَدْ آتَيْتُمْ مِنْ قَبْلُ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا مِنَ الْمَالِ أَيْ مَالًا كَثِيرًا، وَسَوَاءٌ أَخَذْنَهُ وَحُزْنَهُ فِي أَيْدِيهِنَّ، أَوِ الْتَزَمْتُمُوهُ لَهُنَّ فَصَارَ دِينًا فِي ذِمَّتِكُمْ فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ لِصَاحِبَتِهِ؛ لِأَنَّكُمْ إِنَّمَا تَسْتَبْدِلُونَ غَيْرَهَا بِهَا لِأَجْلِ هَوَاكُمْ، وَتَمَتُّعِكُمْ بِغَيْرِ ذَنْبٍ شَرْعِيٍّ مِنْهَا يُبِيحُ لَكُمْ أَخْذَ شَيْءٍ مِنْهُ كَأَنْ تَكُونَ هِيَ الطَّالِبَةَ لِفِرَاقِكُمُ الْمُسِيئَةَ إِلَيْكُمْ لِأَجْلِ حَمْلِكُمْ عَلَى طَلَاقِهَا، فَإِذَا لَمْ تَفْعَلْ شَيْئًا يُبِيحُ لَكُمْ ذَلِكَ فَبِأَيِّ وَجْهٍ تَسْتَحِلُّونَ أَخْذَ شَيْءٍ مِنْ مَالِهَا؟ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا

<<  <  ج: ص:  >  >>