للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمَنْ أَطَاعَ اللهَ وَالرَّسُولَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَانَ مِنْهُمْ، وَحُشِرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَهُمْ ; لِأَنَّهُ وَقَدْ خَتَمَ اللهُ النُّبُوَّةَ وَالرِّسَالَةَ لَا بُدَّ أَنْ يَرْتَقِيَ فِي الِاتِّبَاعِ إِلَى دَرَجَةِ أَحَدِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ: الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا أَيْ: إِنَّ مُرَافَقَةَ أُولَئِكَ الْأَصْنَافِ هِيَ فِي الدَّرَجَةِ الَّتِي يَرْغَبُ الْعَاقِلُ فِيهَا لِحُسْنِهَا، وَفِي الْكَشَّافِ: إِنَّ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَعْنَى التَّعَجُّبِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: مَا أَحْسَنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا، وَالرَّفِيقُ كَالصَّدِيقِ وَالْخَلِيطِ الصَّاحِبِ، وَالْأَصْحَابُ يَرْتَفِقُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَاسْتَعْمَلَتِ الْعَرَبُ الرَّفِيقَ وَالرَّسُولَ الْبَرِيدَ مُفْرَدًا اسْتِعْمَالَ الْجَمْعِ أَوِ الْجِنْسِ، وَلِهَذَا حَسُنَ الْإِفْرَادُ هُنَا، وَقِيلَ: تَقْدِيرُ الْكَلَامِ، وَحَسُنَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْ أُولَئِكَ رَفِيقًا.

وَهَلْ يُرَافِقُ كُلُّ فَرِيقٍ فَرِيقَهُ، إِذْ كَانَ مُشَاكِلَهُ وَضَرِيبَهُ، أَمْ يَتَّصِلُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِمَنْ فَوْقَهُ، وَلَوْ بَعْضَ الِاتِّصَالِ، الَّذِي يَكُونُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي وَهُوَ مَا يُشِيرُ إِلَيْهِ التَّعْبِيرُ بِالْفَضْلِ فِي الْآيَةِ التَّالِيَةِ.

رَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ بِسَنَدٍ قَالَ السُّيُوطِيُّ: لَا بَأْسَ بِهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، وَإِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ وَلَدِي، وَإِنِّي لَأَكُونُ فِي الْبَيْتِ فَأَذْكُرُكَ فَمَا أَصْبِرُ حَتَّى آتِيَ فَأَنْظُرَ إِلَيْكَ، وَإِنِّي ذَكَرْتُ مَوْتِي وَمَوْتَكَ عَرَفْتُ أَنَّكَ إِذَا دَخَلْتَ الْجَنَّةَ رُفِعْتَ مَعَ النَّبِيِّينَ، وَأَنِّي إِذَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ خَشِيتُ أَلَّا أَرَاكَ، فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، أَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا قَوْلُ الصَّحَابَةِ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُفَارِقَكَ فَإِنَّكَ لَوْ قَدِمْتَ لَرُفِعْتَ فَوْقَنَا وَلَمْ نَرَكَ، وَأَخْرَجَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: أَتَى فَتًى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّ لَنَا مِنْكَ نَظْرَةً فِي الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا نَرَاكَ فَإِنَّكَ فِي الْجَنَّةِ فِي الدَّرَجَاتِ الْعُلَى، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنْتَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ إِنْ شَاءَ اللهُ - تَعَالَى - اهـ، وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ ضَعِيفَةُ السَّنَدِ، فَإِنْ كَانَ لَهَا أَصْلٌ فَالْمُرَادُ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي سِيَاقِهَا الْمُتَّصِلَةَ بِهِ بَعْدَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ.

وَأَمَّا مَعْنَى هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي قُرْصَانَةَ مَرْفُوعًا: مَنْ أَحَبَّ قَوْمًا حَشَرَهُ اللهُ مَعَهُمْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالضِّيَاءُ، وَعَلَّمَ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِالصِّحَّةِ، وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيثُ أَنَسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمْ: الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ وَقَدْ يَغُرُّ كَثِيرٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَالْفَاسِقِينَ أَنْفُسَهُمْ بِدَعْوَى مَحَبَّةِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنَّمَا آيَةُ الْمَحَبَّةِ الطَّاعَةُ، وَالْآيَةُ قَدْ جَعَلَتْ هَذِهِ الْمَعِيَّةَ جَزَاءَ الطَّاعَةِ، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ (٣: ٣١) ، فَرَاجِعْ تَفْسِيرَهَا فِي الْجُزْءِ الثَّالِثِ.

ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَعْنَى ذَلِكَ الَّذِي ذُكِرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>