للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِلَى أَهْلِهَا وَالْحُكْمِ بِالْعَدْلِ وَطَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ وَرَدِّ مَا يَتَنَازَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَأَكَّدَ أَمْرَ طَاعَةِ الرَّسُولِ وَبَيَّنَ حَالَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ التَّحَاكُمَ إِلَى الطَّاغُوتِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إِذَا عَمِلُوا بِهَذِهِ الْأَحْكَامِ صَلُحَ حَالُهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَاسْتَقَامَتْ أُمُورُهُمْ وَصَارُوا مُتَّحِدِينَ مُتَعَاوِنِينَ عَلَى الْأَعْمَالِ النَّافِعَةِ وَحِفْظِ الْجَامِعَةِ، وَوَثِقَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فِي التَّعَاوُنِ عَلَى مَصَالِحِهِمْ وَالدِّفَاعِ عَنْ حَقِيقَتِهِمْ، فَالْغَرَضُ مِنْ هَذِهِ الْوَصَايَا انْتِظَامُ شَمْلِ الْمُسْلِمِينَ وَصَلَاحُ أُمُورِهِمُ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ.

بَعْدَ بَيَانِ هَذَا أَرَادَ اللهُ - تَعَالَى - أَنْ يُوَجِّهَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى أَمْرٍ آخَرَ يَلِي اجْتِمَاعَهُمْ عَلَى عَقِيدَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَصْلَحَةٍ وَاحِدَةٍ وَانْتِظَامِ شُئُونِهِمْ وَصَلَاحِ حَالِهِمْ، وَهُوَ مَا يَتِمُّ لَهُمْ بِهِ الْأَمْنُ وَحُسْنُ الْحَالِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ عِنْدَ التَّنْزِيلِ

أَعْدَاءٌ يُنَاصِبُونَهُمْ وَيَفْتِنُونَهُمْ فِي دِينِهِمْ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَتِمُّ لَهُ نِظَامٌ فِي مَعِيشَتِهِ وَلَا هَنَاءٌ وَلَا رَاحَةٌ إِلَّا بِالْأَمْنَيْنِ كِلَيْهِمَا: الْأَمْنُ الدَّاخِلِيُّ، وَالْأَمْنُ الْخَارِجِيُّ، فَلَمَّا أَرْشَدَنَا اللهُ إِلَى مَا بِهِ أَمْنُنَا الدَّاخِلِيِّ أَرْشَدَنَا إِلَى مَا بِهِ أَمْنُنَا مَعَ الْخَارِجِينَ عَنَّا الْمُخَالِفِينَ لَنَا فِي دِينِنَا، وَذَلِكَ إِمَّا بِمُعَاهَدَاتٍ تَكُونُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ نَطْمَئِنُّ بِهَا عَلَى دِينِنَا وَأَنْفُسِنَا وَمَصَالِحِنَا، وَإِمَّا بِاتِّقَاءِ شَرِّهِمْ بِالْقُوَّةِ، وَهَذِهِ الْآيَاتُ فِي بَيَانِ ذَلِكَ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ كَمَا يَأْتِي.

أَقُولُ: كَانَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللهَ - تَعَالَى - بَيَّنَ لَنَا أَصْلَ الْحُكُومَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي آيَةِ الْأَمَانَاتِ وَالْعَدْلِ، وَقَوْلُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ إِلَخْ، وَكَانَ قَدْ بَيَّنَ لَنَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ كَثِيرًا مِنْ مُهِمَّاتِ الْأَحْكَامِ الدِّينِيَّةِ وَالشَّخْصِيَّةِ وَالْمَدَنِيَّةِ - كَمَا يُقَالُ فِي عُرْفِ هَذَا الْعَصْرِ - ثُمَّ شَدَّدَ النَّكِيرَ عَلَى مَنْ يَرْغَبُ عَنْ حُكْمِ الرَّسُولِ إِلَى حُكْمِ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الطُّغْيَانِ، بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ شَرَعَ يُبَيِّنُ لَنَا بَعْضَ الْأَحْكَامِ الْحَرْبِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ وَيُبَيِّنُ لَنَا الطَّرِيقَ الَّذِي نَسِيرُ عَلَيْهِ فِي حِفْظِ مِلَّتِنَا وَحُكُومَتِنَا الْمَبْنِيَّةِ عَلَى تِلْكَ الْأُصُولِ الْمُحْكَمَةِ الْحَكِيمَةِ مِنَ الْأَعْدَاءِ الَّذِينَ يَعْتَدُونَ عَلَيْنَا فَقَالَ:

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ قَالَ الرَّاغِبُ: الْحَذَرُ - بِالتَّحْرِيكِ - احْتِرَازٌ عَنْ مُخِيفٍ، وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: خُذُوا حِذْرَكُمْ، أَيْ: مَا فِيهِ الْحَذَرُ مِنَ السِّلَاحِ وَغَيْرِهِ اهـ، وَظَاهِرُهُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْحَذَرِ بِالتَّحْرِيكِ وَالْحِذْرِ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ، وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ أَنَّ الْحَذَرَ وَالْحِذْرَ الْخِيفَةُ، وَمَنْ خَافَ شَيْئًا اتَّقَاهُ بِالِاحْتِرَاسِ مِنْ أَسْبَابِهِ قَالَ فِي الْأَسَاسِ: رَجُلٌ حَذِرٌ مُتَيَقِّظٌ مُحْتَرِزٌ وَحَاذِرٌ مُسْتَعِدٌّ، وَقَالَ الرَّازِيُّ: الْحَذَرُ وَالْحِذْرُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَالْإِثْرِ وَالْأَثَرِ وَالْمِثْلِ وَالْمَثَلِ، يُقَالُ: أَخَذَ حَذَرَهُ إِذَا تَيَقَّظَ وَاحْتَرَزَ مِنَ الْخَوْفِ كَأَنَّهُ جَعَلَ الْحَذَرَ آلَتَهُ الَّتِي يَقِي بِهَا نَفْسَهُ، وَالْمَعْنَى: احْذَرُوا وَاحْتَرِزُوا مِنَ الْعَدُوِّ وَلَا تُمَكِّنُوهُ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، هَذَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ ثُمَّ نَقَلَ عَنِ الْوَاحِدِيِّ فِيهِ قَوْلَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ السِّلَاحُ، وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>