للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلًا أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا.

هَذِهِ الْآيَاتُ مُتَّصِلَةٌ بِمَا قَبْلَهَا مُسَايِرَةٌ لَهَا، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ أُصُولِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ طَاعَةَ

اللهِ وَطَاعَةَ الرَّسُولِ، وَقَدْ أَمَرَ بِهِمَا مَعًا أَمْرًا عَامًّا، وَبَيَّنَ جَزَاءَ الْمُطِيعِ وَأَحْوَالَ النَّاسِ فِي هَذِهِ الطَّاعَةِ بِحَسَبِ قُوَّةِ الْإِيمَانِ وَضَعْفِهِ وَالصِّدْقِ فِيهِ وَالنِّفَاقِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْقِتَالِ، وَبَيَّنَ مَرَاتِبَ النَّاسِ فِي الِامْتِثَالِ، وَبَعْدَ هَذَا ذَكَّرَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَمْرِ الطَّاعَةِ وَكَوْنِهَا لِلَّهِ تَعَالَى بِالذَّاتِ، وَلِغَيْرِهِ بِالتَّبَعِ، وَبَيَّنَ ضَرْبًا مِنْ ضُرُوبِ مُرَاوَغَةِ أُولَئِكَ الضُّعَفَاءِ أَوِ الْمُنَافِقِينَ فِيهَا فَقَالَ:

مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ أَيْ: إِنَّ الرَّسُولَ هُوَ رَسُولُ اللهِ، فَمَا يَأْمُرُ بِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ رَسُولٌ فَهُوَ مِنَ اللهِ، وَهُوَ الْعِبَادَاتُ وَالْفَضَائِلُ، وَالْأَعْمَالُ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ الَّتِي تُحْفَظُ بِهَا الْحُقُوقَ، وَتُدْرَأُ الْمَفَاسِدُ، وَتُحْفَظُ الْمَصَالِحُ، فَمَنْ أَطَاعَهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُبَلِّغٌ لَهُ عَنِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ اللهَ - تَعَالَى - لَا يَأْمُرُ النَّاسَ وَيَنْهَاهُمْ إِلَّا بِوَاسِطَةِ رُسُلٍ مِنْهُمْ، يَفْهَمُونَ عَنْهُمْ مَا يُوحِيهِ اللهُ إِلَيْهِمْ لِيُبَلِّغُوهُ عَنْهُ، وَأَمَّا مَا يَقُولُهُ الرَّسُولُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، وَمَا يَأْمُرُ بِهِ مِمَّا يَسْتَحْسِنُهُ بِاجْتِهَادِهِ وَرَأْيِهِ مِنَ الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْعَادَاتِ، كَمَسْأَلَةِ تَأْبِيرِ النَّخْلِ، وَمَا يُسَمِّيهِ الْعُلَمَاءُ أَمْرَ الْإِرْشَادِ، فَطَاعَتُهُ فِيهِ لَيْسَتْ مِنَ الْفَرَائِضِ الَّتِي فَرَضَهَا اللهُ - تَعَالَى - ; لِأَنَّهُ لَيْسَ دِينًا وَلَا شَرْعًا عَنْهُ تَعَالَى، وَإِنَّمَا تَكُونُ مِنْ كَمَالِ الْأَدَبِ وَقُدْوَةِ الْحُبِّ، مِثَالُهُ: أَمْرُ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَيْلِ الطَّعَامِ كَالْقَمْحِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْحُبُوبِ، أَيْ: عِنْدَ اتِّخَاذِهِ وَعِنْدَ إِرَادَةِ طَبْخِهِ، وَهُوَ مِنَ التَّقْدِيرِ وَالتَّدْبِيرِ فِي الْبُيُوتِ، وَأَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ يَتْرُكُونَهُ إِلَّا مَنْ يَتَّبِعُ طُرُقَ الْمَدَنِيَّةِ الْحَدِيثَةِ فِي الِاقْتِصَادِ وَتَدْبِيرِ الْمَنْزِلِ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا لَا يَظْهَرُ لَهُ مِثْلُ هَذِهِ الْفَائِدَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُهُ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْسَانِ لِمُنَاسَبَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمُخَاطَبِينَ، كَالْأَمْرِ بِأَكْلِ الزَّيْتِ وَالِادِّهَانِ بِهِ وَالْأَمْرِ بِأَكْلِ الْبَلَحِ بِالتَّمْرِ، فَهُوَ مَا كَانَ يَقُولُ مِثْلَ هَذَا بَاسِمِ الرِّسَالَةِ وَالتَّبْلِيغِ عَنِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، وَكَانَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -

<<  <  ج: ص:  >  >>