للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ أَشْرَارِ جُنَاتِهِمْ وَتُحُوتِ صَعَالِيكِهِمْ قَدْ يَقْتُلُ الْوَاحِدُ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ فِي مِصْرَ فَيُحَاكِمُهُ قُنْصُلُ دَوْلَتِهِ كَمَا يُرِيدُ، وَيَحْكُمُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَغِيبَ عَنِ الْأَرْضِ الَّتِي لَوَّثَهَا بِدَمِ الْجِنَايَةِ زَمَنًا طَوِيلًا أَوْ قَصِيرًا ثُمَّ يَعُودُ إِنْ شَاءَ اللهُ؟

فَعَلَى هَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ يَكُونُ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ، وَمَا بَعْدَهُ نَزَلَ فِي سِيَاقِ تِلْكَ الْقِصَّةِ، وَأَنَّ ضَمِيرَ نَجْوَاهُمْ، يَعُودُ عَلَى أُولَئِكَ الْمُخْتَانِينَ لِأَنْفُسِهِمْ، الَّذِينَ يُبَيِّتُونَ فِي لَيْلِهِمْ مِنَ

الْأَقْوَالِ مَا لَا يُرْضِي رَبَّهُمْ، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ، وَالنَّجْوَى: مَصْدَرٌ أَوِ اسْمُ مَصْدَرٍ وَمَعْنَاهُ الْمُسَارَّةُ بِالْحَدِيثِ قِيلَ: أَصْلُهُ مِنَ النَّجْوَةِ، وَهِيَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ عَمَّا حَوْلَهُ بِحَيْثُ يَنْفَرِدُ مَنْ فِيهِ عَمَّنْ دُونَهُ، وَقِيلَ: مِنَ النَّجَاةِ، كَأَنَّهُ نَجَا بِسِرِّهِ مِمَّنْ يَحْذَرُ اطِّلَاعَهُمْ عَلَيْهِ، وَيُوصَفُ بِهِ فَيُقَالُ: قَوْمٌ نَجْوَى وَرَجُلَانِ نَجْوَى، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى (١٧: ٤٧) ، وَمِنَ اسْتِعْمَالِهِ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ (٥٨: ٧) ، وَقَوْلُهُ: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى، وَأَجَازَ الْمُفَسِّرُونَ هُنَا أَنْ تَكُونَ النَّجْوَى بِمَعْنَى الْمُتَنَاجِينَ أَيْ: الْمُتَسَارِّينَ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمُتَنَاجِينَ الَّذِينَ يُسِرُّونَ الْحَدِيثَ مِنْ جَمَاعَةِ طُعْمَةَ الَّذِينَ أَرَادُوا مُسَاعَدَتَهُ عَلَى اتِّهَامِ الْيَهُودِيِّ وَبَهْتِهِ وَمِنْ سَائِرِ النَّاسِ إِلَّا مَنْ أَمَرَ مِنْهُمْ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ مَجَامِعُ الْخَيْرَاتِ الَّتِي يُحْتَاجُ فِيهَا إِلَى النَّجْوَى، فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا عَلَى ظَاهِرِ قَوَاعِدِ النَّحْوِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّجْوَى هُنَا بِمَعْنَى التَّنَاجِي، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ، أَيْ: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ تَنَاجِي هَؤُلَاءِ النَّاسِ، وَلَكِنَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ، فَذَلِكَ هُوَ الْخَيْرُ الَّذِي يَكُونُ فِي نَجْوَاهُ الْخَيْرُ، وَإِلَّا فَإِنَّهُمْ يُقَدِّرُونَ لِلْإِعْرَابِ مُضَافًا مَحْذُوفًا، وَالتَّقْدِيرُ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا نَجْوَى مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ إِلَخْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْرِيرُ مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي تَفْسِيرِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ (٢: ١٧٧) ، مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَرَأَيُ الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ فِيهِ [فَلْيُرَاجَعْ فِي ص ٩٠ وَمَا بَعْدَهَا فِي الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ ط الْهَيْئَةِ الْمِصْرِيَّةِ الْعَامَّةِ لِلْكِتَابِ] .

وَقَالَ الْأُسْتَاذُ هُنَا: إِنَّ الْكَلَامَ فِي الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ وَيَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ، وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِمُ الشَّرُّ، فَهُوَ الَّذِي يَجْرِي فِي نَجْوَاهُمْ لِأَنَّهُ أَكْبَرُ هَمِّهِمْ وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ الِاسْتِثْنَاءِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ النُّكْتَةَ فِي ذِكْرِ الْكَثِيرِ هُنَا هُوَ أَنَّ مِنَ النَّجْوَى مَا يَكُونُ فِي الشُّئُونِ الْخَاصَّةِ كَالزِّرَاعَةِ وَالتِّجَارَةِ مَثَلًا فَلَا تُوصَفُ بِالشَّرِّ، وَلَا هِيَ مُرَادَةٌ مِنَ الْخَيْرِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>