للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالْأَمَانِيِّ الْبَاطِلَةِ، أَيْ: هَذَا شَأْنُهُ وَمُقْتَضَى طَبْعِهِ، وَالْأَمَانِيِّ جَمْعُ أُمْنِيَّةٍ، قَالَ الرَّاغِبُ: وَهِيَ الصُّورَةُ الْحَاصِلَةُ فِي النَّفْسِ مِنْ تَمَنِّي الشَّيْءِ، يُقَالُ: تَمَنَّى الشَّيْءَ إِذَا أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذْ لَهُ أَسْبَابَهُ، كَمَا يَتَمَنَّى الْمُقَامِرُ الثَّرْوَةَ بِالْمُقَامَرَةِ وَهِيَ لَيْسَتْ سَبَبًا طَبِيعِيًّا لِلْغِنَى بَلْ لَيْسَتْ مِنَ الْكَسْبِ الْمُعْتَادِ، وَالْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ لِهَذِهِ الْمَادَّةِ التَّقْدِيرُ، يُقَالُ: مَنَى لَكَ الْمَانِي أَيْ: قَدَّرَ لَكَ الْمُقَدِّرُ، وَالْمَصْدَرُ الْمَنَى بِالْفَتْحِ، قَالَ الرَّاغِبُ: وَمِنْهُ الْمَنَّا الَّذِي يُوزَنُ بِهِ فِيمَا قِيلَ، وَأَقُولُ: الْأَجْدَرُ بِهَذَا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَصْلُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَعْرُوفِ فِي كَوْنِ الْأَشْيَاءِ الْجَامِدَةِ وَالْمُدْرَكَةِ بِالْحَوَاسِّ هِيَ أَصْلٌ لِلْأَشْيَاءِ الْمَعْنَوِيَّةِ، وَالتَّمَنِّي تَقْدِيرُ شَيْءٍ فِي النَّفْسِ وَتَصْوِيرُهُ فِيهَا، وَقَدْ يَكُونُ عَنْ تَخْمِينٍ وَظَنٍّ، وَقَدْ يَكُونُ عَنْ رَوِيَّةٍ وَبِنَاءٍ عَلَى أَصْلٍ، وَلَمَّا كَانَ أَكْثَرُهُ عَنْ تَخْمِينٍ صَارَ الْكَذِبُ لَهُ أَمْلَكَ، فَأَكْثَرُهُ تَصَوُّرُ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ كَمَا قَالَ الرَّاغِبُ.

وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: إِنَّ إِضْلَالَهُ لِمَنْ يُضِلُّهُمْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ صَرْفِهِمْ عَنِ الْعَقَائِدِ الصَّحِيحَةِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَشْغَلُهُمْ عَنِ الدَّلَائِلِ الْمُوصِلَةِ إِلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى، وَأَمَّا التَّمْنِيَةُ فَهِيَ فِي الْأَعْمَالِ بِأَنْ يُزَيِّنَ لَهُمُ الِاسْتِعْجَالَ بِاللَّذَّاتِ الْحَاضِرَةِ وَالتَّسْوِيفِ بِالتَّوْبَةِ وَبِالْعَمَلِ الصَّالِحِ بَلْ هَذَا اسْمٌ جَامِعٌ لِأَنْوَاعِ وَحْيِ الشَّيْطَانِ كُلِّهَا وَتَغْرِيرِهِ لِلنَّاسِ بِعَفْوِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِهِ.

وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ الْبَتْكُ يُقَارِبُ الْبَتُّ فِي مَعْنَاهُ الْعَامُّ الَّذِي هُوَ الْقَطْعُ وَالْفَصْلُ، فَالْبَتُّ يُقَالُ فِي قَطْعِ الْحَبْلِ وَالْوَصْلِ مِنَ الْحِسِّيَّاتِ، وَفِي الطَّلَاقِ يُقَالُ طَلَّقَهَا بَتَّةً أَيْ: طَلَاقًا بَائِنًا، وَالْبَتْكُ يُقَالُ فِي قَطْعِ الْأَعْضَاءِ وَالشَّعْرِ وَنَتْفِ الرِّيشِ، وَبَتَكْتُ الشَّعْرَ تَنَاوَلْتُ بِتْكَةً مِنْهُ، وَهِيَ - بِالْكَسْرِ - الْقِطْعَةُ الْمُنْجَذِبَةُ جَمْعُهَا بِتَكٌ قَالَ الشَّاعِرُ:

طَارَتْ وَفِي يَدِهِ مِنْ رِيشِهَا بِتَكٌ

وَالْمُرَادُ بِهِ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ قَطْعِ آذَانِ بَعْضِ الْأَنْعَامِ لِأَصْنَامِهِمْ كَالْبَحَائِرِ الَّتِي كَانُوا يَقْطَعُونَ أَوْ يَشُقُّونَ آذَانَهَا شَقًّا وَاسِعًا

وَيَتْرُكُونَ الْحِمْلَ عَلَيْهَا، وَكَانَ هَذَا مِنْ أَسْخَفِ أَعْمَالِهِمُ الْوَثَنِيَّةِ وَسَفَهِ عُقُولِهِمْ، قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَلِهَذَا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِيمَا قَبْلَهُ.

وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ تَغْيِيرُ خَلْقِ اللهِ وَسُوءُ التَّصَرُّفِ فِيهِ عَامٌّ يَشْمَلُ التَّغْيِيرَ الْحِسِّيَّ كَالْخِصَاءِ، وَقَدْ رَوَوْا تَفْسِيرَهُ بِالْخِصَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا - فَلْيَعْتَبِرْ بِهِ مَنْ يَطْعَنُونَ فِي الْإِسْلَامِ نَفْسِهِ بِاتِّخَاذِ مُلُوكِ الْمُسْلِمِينَ وَأُمَرَائِهِمْ لِلْخِصْيَانِ، وَيَظُنُّونَ أَنَّ خَصْيِهِمْ جَائِزٌ فِي هَذَا الدِّينِ - وَيَشْمَلُ سَائِرُ أَنْوَاعِ التَّشْوِيهِ وَالتَّمْثِيلِ بِالنَّاسِ الَّذِي حَرَّمَهُ الشَّرْعُ، وَإِذَا كَانَ قَدْ حَرَّمَ تَبْتِيكَ آذَانِ الْأَنْعَامِ فَكَيْفَ لَا يُحَرِّمُ سَمْلَ أَعْيُنِ النَّاسِ وَصَلْمَ آذَانِهِمْ وَجَدْعَ أُنُوفِهِمْ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ الظَّالِمِينَ بِغَيْرِ حَقٍّ

<<  <  ج: ص:  >  >>