للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَنْ كَانَ يُرِيدُ، مِنْكُمْ بِسَعْيِهِ وَكَدْحِهِ وَجِهَادِهِ فِي حَيَاتِهِ ثَوَابَ الدُّنْيَا، وَنَعِيمَهَا بِالْمَالِ وَالْجَاهِ فَعِنْدَ اللهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، جَمِيعًا وَقَدْ وَهَبَكُمْ مِنَ الْقُوَى وَالْجَوَارِحِ وَهِدَايَةِ الْحَوَاسِ وَالْعَقْلِ وَالْوِجْدَانِ وَالدِّينِ مَا يُمْكِنُكُمْ بِهِ نَيْلَ ذَلِكَ، فَعَلَيْكُمْ أَنْ تَطْلُبُوا الثَّوَابَيْنِ جَمِيعًا وَلَا تَكْتَفُوا بِالْأَدْنَى الْفَانِي عَنِ الْأَعْلَى الْبَاقِي، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مَيْسُورٌ لَكُمْ، وَمِمَّا تَنَالُهُ قُدْرَتُكُمْ، فَمِنْ سَفَهِ النَّفْسَ، وَأَفَنِ الرَّأْيِ، أَنْ تَرْغَبُوا عَنْهُ، وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِي أَهْلَهُ إِلَى سَعَادَةِ الدَّارَيْنِ، وَأَنْ يَتَذَكَّرُوا أَنَّ كُلًّا مِنْ ثَوَابِ الدُّنْيَا وَثَوَابِ الْآخِرَةِ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي تَفْسِيرِ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (٢: ٢٠١) .

وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا بَصِيرًا، سَمِيعًا لِأَقْوَالِ الْعِبَادِ فِي مُخَاطِبَاتِهِمْ وَمُنَاجَاتِهِمْ، بَصِيرًا بِجَمِيعِ أُمُورِهِمْ فِي جَمِيعِ حَالَاتِهِمْ، فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُرَاقِبُوهُ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، فَذَلِكَ الَّذِي يُعِينُهُمْ عَلَى تَزْكِيَةِ نُفُوسِهِمْ، وَالْوُقُوفِ عِنْدَ حُدُودِ الْعَدْلِ وَالْفَضِيلَةِ الَّتِي يَسْتَقِيمُ بِهَا أَمْرُ دُنْيَاهُمْ، وَيَسْتَعِدُّونَ بِهِ لِلْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ فِي آخِرَتِهِمْ.

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا يَاأَيُّهَا الَّذِينَ

آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا قَدْ عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ مَكَانُ هَذِهِ الْآيَاتِ وَمَا بَعْدَهَا إِلَى آخِرِ السُّورَةِ مِمَّا قَبْلَهَا، وَهِيَ أَحْكَامٌ عَامَّةٌ فِي الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ وَأَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ فِي ذَلِكَ فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ إِلَخْ، فَهُوَ يَتَّصِلُ بِمَا قَبْلَهُ مِنَ الْآيَاتِ الْقَرِيبَةِ خَاصَّةً بِمَا فِيهِ مِنَ الْأَمْرِ الْعَامِّ بِالْقِسْطِ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالْقِسْطِ فِي الْيَتَامَى وَالنِّسَاءِ، فَهُنَالِكَ خَصَّ الْيَتَامَى وَالنِّسَاءَ فِي سِيَاقِ الِاسْتِفْتَاءِ فِيهِنَّ، وَلِأَنَّ حَقَّهُنَّ آكِدٌ وَظُلْمَهُنَّ مَعْهُودٌ، وَهَا هُنَا عَمَّمَ الْأَمْرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>