للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سُورَةِ الْأَنْعَامِ فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (٦: ٨٤ - ٨٦) وَأَجْمَعُ السُّوَرِ لِقَصَصِهِمْ " هُودٌ " وَ " طسم الشُّعَرَاءُ " وَمِنْهُمْ هُودٌ وَصَالِحٌ وَشُعَيْبٌ وَهُمْ مِنَ الْعَرَبِ.

وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ أَيْ كَالْمُرْسَلِينَ إِلَى الْأُمَمِ الْمَجْهُولِ عِلْمُهَا وَتَارِيخُهَا، عِنْدَ قَوْمِكَ وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ الْمُجَاوِرِينَ لِبِلَادِكَ، كَأُمَمِ الشَّرْقِ: الصِّينِ وَالْيَابَانِ وَالْهِنْدِ، وَأُمَمِ بِلَادِ الشَّمَالِ: أُورُبَّةَ، وَأُمَمِ الْقِسْمِ الْآخَرِ مِنَ الْأَرْضِ: أَمِرِيكَةَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُصَّ اللهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِ خَبَرَ الرُّسُلِ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ إِلَى أُولَئِكَ الْأَقْوَامِ ; لِأَنَّ حِكْمَةَ ذِكْرِ الرُّسُلِ، وَفَوَائِدَ بَيَانِ قَصَصِهِمْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَتَحَقَّقُ بِقِصَصِ أُولَئِكَ الْمَجْهُولِ حَالُهُمْ وَحَالُ أُمَمِهِمْ، عِنْدَ قَوْمِهِ وَجِيرَانِ بَلَدِهِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَهَذِهِ الْحِكَمُ وَالْفَوَائِدُ هِيَ الْمُشَارُ إِلَيْهَا فِي مِثْلِ قَوْلِهِ، تَعَالَى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٢: ١١١) وَقَوْلِهِ: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (١١: ١٢٠) وَقَوْلِهِ: وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطَّوْرِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٨: ٤٤ - ٤٦) فَالْعِبْرَةُ وَالتَّثْبِيتُ وَالذِّكْرَى وَالِاحْتِجَاجُ عَلَى نُبُوَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّ ذَلِكَ يَظْهَرُ فِي قَصَصِ مَنْ ذَكَرَهُمْ مِنَ الرُّسُلِ دُونَ مَنْ لَمْ يَذْكُرْهُمْ، وَحَسْبُنَا الْعِلْمُ بِأَنَّ اللهَ - تَعَالَى - أَرْسَلَ الرُّسُلَ فِي كُلِّ الْأُمَمِ، فَكَانَتْ رَحْمَتُهُ بِهِمْ عَامَّةً، لَا مَحْصُورَةً فِي شَعْبٍ مُعَيَّنٍ احْتَكَرَهَا لِنَفْسِهِ كَمَا كَانَ يَزْعُمُ أَهْلُ الْكِتَابِ، غَيْرَ مُبَالِينَ بِكَوْنِهِ لَا يَلِيقُ بِحِكْمَةِ اللهِ وَلَا يَنْطَبِقُ عَلَى سِعَةِ رَحْمَتِهِ، قَالَ، تَعَالَى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ (١٦: ٣٦) وَقَالَ: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (٣٥: ٢٤) وَهَذِهِ حَقِيقَةٌ

مِنْ حَقَائِقِ الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ وَالدِّينِ السَّمَاوِيِّ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهَا أَهْلُ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَزْعُمُ مُشَاغِبُوهُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ مُقْتَبَسٌ مِنْ كُتُبِهِمْ، وَكَمْ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الْحَقَائِقِ، وَلَكِنْ طُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ، وَلَا نَخُوضُ فِي إِحْصَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ ; فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِوَحْيٍ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَلَمْ يُبَيِّنِ اللهُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ، وَلَا رَسُولُهُ فِيمَا صَحَّ مِنَ الْخَبَرِ عَنْهُ.

وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا خَاصًّا مُمْتَازًا عَنْ غَيْرِهِ مِنْ ضُرُوبِ الْوَحْيِ الْعَامِّ لِأُولَئِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>