للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ عَيْنُ الْمُسَمَّى أَوْ غَيْرُهُ، وَقَدْ كَانَ الْيُونَانِيُّونَ يُطْلِقُونَ عَلَى مَا فِي الذِّهْنِ مِنَ الْمَعْلُومِ لَفْظَ الِاسْمِ، وَالْخِلَافُ فِي أَنَّ مَا فِي الذِّهْنِ مِنَ الْحَقَائِقِ هُوَ عَيْنُهَا أَوْ صُورَتُهَا مَشْهُورٌ كَالْخِلَافِ فِي أَنَّ الْعِلْمَ عَيْنُ الْمَعْلُومِ أَوْ غَيْرُ الْمَعْلُومِ، وَأَمَّا الْخِلَافُ فِي أَنَّ الِاسْمَ الَّذِي هُوَ اللَّفْظُ عَيْنُ الْمُسَمَّى أَوْ غَيْرُهُ فَهُوَ مَا أَخْطَأَ فِيهِ النَّاظِرُونَ؛ لِعَدَمِ الدِّقَّةِ فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْإِطْلَاقَاتِ لِبَدَاهَةِ أَنَّ اللَّفْظَ غَيْرُ مَعْنَاهُ بِالضَّرُورَةِ، وَالِاسْمُ بِذَلِكَ الْإِطْلَاقِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الَّذِي يَتَقَدَّسُ وَيَتَبَارَكُ وَيَتَعَالَى (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (٨٧: ١) (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) (٥٥: ٧٨) فَاسْمُهُ جَلَّ شَأْنُهُ مَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَعْلَمَ مِنْهُ مَا نَعْلَمُ مِنْ صِفَاتِهِ، وَمَا يُشْرِقُ فِي أَنْفُسِنَا مِنْ بَهَائِهِ وَجَلَالِهِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ نُرِيدَ مِنَ الْأَسْمَاءِ هَذَا الْمَعْنَى، وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ فِي التَّأْوِيلِ عَمَّا قَالُوهُ مِنْ إِرَادَةِ الْمُسَمَّيَاتِ وَلَكِنَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ أَظْهَرُ وَأَبْيَنُ.

(وَأَقُولُ) : تَقَدَّمَ لَنَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ أَنَّ اسْمَ اللهِ - تَعَالَى - يُسَبَّحُ وَيُعَظَّمُ، وَمِنْهُ إِسْنَادُ التَّسْبِيحِ إِلَيْهِ قَوْلًا وَكِتَابَةً، وَتَسْبِيحَهُ وَتَعْظِيمَهُ بِدُونِ ذِكْرِ اسْمِهِ خَاصٌّ بِالْقَلْبِ. وَمَنْ تَعَمَّدَ إِهَانَةَ اسْمِ اللهِ - تَعَالَى - يُكَفَّرُ كَمَنْ يَتَعَمَّدُ إِهَانَةَ كِتَابِهِ.

ثُمَّ إِنَّ الَّذِي يَتَبَادَرُ إِلَى الْفَهْمِ مِنْ صِيغَةِ التَّعْلِيمِ هُوَ التَّدْرِيجُ، قَالَ - تَعَالَى -: (وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (٢: ١٥١) وَمَا كَانَ ذَلِكَ إِلَّا تَدْرِيجًا، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي جَمِيعِ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا لَفْظُ التَّعْلِيمِ كَقَوْلِهِ: (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) (٤: ١١٣) وَقَوْلِهِ: (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ) (٣: ٤٨) إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ - وَلَكِنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ تَعْلِيمِ آدَمَ الْأَسْمَاءَ: أَنَّهُ كَانَ دُفْعَةً وَاحِدَةً إِذَا أُرِيدَ بِآدَمَ شَخْصُهُ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْقُوَّةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ شَيْخُنَا:

عَلَّمَ اللهُ آدَمَ كُلَّ شَيْءٍ - وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ هَذَا الْعِلْمُ فِي آنٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي آنَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَاللهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ - ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْقُوَّةَ الْعِلْمِيَّةَ عَامَّةٌ لِلنَّوْعِ الْآدَمِيِّ كُلِّهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَعْرِفَ أَبْنَاؤُهُ الْأَسْمَاءَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ فَيَكْفِي فِي ثُبُوتِ هَذِهِ الْقُوَّةِ لَهُمْ مَعْرِفَةُ الْأَشْيَاءِ بِالْبَحْثِ وَالِاسْتِدْلَالِ، عَلَّمَ اللهُ آدَمَ الْأَسْمَاءَ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ) أَيْ أَطْلَعَهُمْ إِطْلَاعًا إِجْمَالِيًّا بِالْإِلْهَامِ الَّذِي يَلِيقُ بِحَالِهِمْ عَلَى مَجْمُوعِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ، وَلَوْ عُرِضَتْ عَلَى نُفُوسِهِمْ عَرْضًا تَفْصِيلِيًّا لَعَلِمُوهَا وَلَمْ يَكُنْ عِلْمُهُمْ مَحْدُودًا وَالْحَالُ أَنَّهُ عَرَضَهَا عَلَيْهِمْ وَسَأَلَهُمْ عَنْهَا سُؤَالَ تَعْجِيزٍ (فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ) الْمُسَمَّيَاتِ، وَالْغَرَضُ مِنَ الْإِنْبَاءِ بِأَسْمَائِهَا الْإِبَانَةُ عَنْ مَعْرِفَتِهَا، وَمَعْنَى (إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) أَيْ إِنْ كَانَ هُنَاكَ مَوْقِعٌ لِلدَّهْشَةِ وَالِاسْتِغْرَابِ مِنْ جَعْلِ الْخَلِيفَةِ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْبَشَرِ، وَكَانَ مَا طَرَقَ نُفُوسَكُمْ وَطَرَأَ عَلَى أَذْهَانِكُمْ أَوَّلًا حَالًّا مَحَلَّهُ، وَمُصِيبًا غَرَضَهُ، وَلَمَّا تَعْرِفُوا حَقِيقَةَ مَا يَمْتَازُ بِهِ الْخَلِيفَةُ. فَأَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ مَا عَرَضْتُهُ عَلَيْكُمْ.

(قَالُوا سُبْحَانَكَ) أَيْ تَنْزِيهًا لَكَ، فَلَفْظُ سُبْحَانَ مَصْدَرٌ قَلَّمَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا مُضَافًا كَمَعَاذَ اللهِ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، وَالْمَعْنَى نُقَدِّسُكَ وَنُنَزِّهُكَ أَنْ يَكُونَ عِلْمُكَ قَاصِرًا فَتَخْلُقُ الْخَلِيفَةَ عَبَثًا، أَوْ تَسْأَلُنَا شَيْئًا نُفِيدُهُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّنَا لَا نُحِيطُ بِعِلْمِهِ، وَلَا نَقْدِرُ عَلَى الْإِنْبَاءِ بِهِ، وَكَلِمَةُ

"

<<  <  ج: ص:  >  >>