للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللَّاهُوتِيِّينَ وَكَذَا إِلَهُ الْمُتَكَلِّمِينَ لَا إِلَهَ الْخَلِيقَةِ، فَإِذَا قُلْتُ لَهُمْ: هَلْ تَعْقِلُونَ أَنَّ هَذَا النِّظَامَ الدَّقِيقَ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ وَوَحْدَةَ النِّظَامِ الْعَامِّ فِي مَجْمُوعِهَا كُلِّهَا قَدْ وُجِدُوا بِالْمُصَادَفَةِ وَلَيْسَ لَهُمَا مَصْدَرٌ وُجُودِيٌّ؟ يَقُولُونَ: لَا، بَلْ لَا بُدَّ لِذَلِكَ مِنْ مَصْدَرٍ لَكِنَّنَا نَجْهَلُ حَقِيقَتَهُ، حِينَئِذٍ. كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ: وَهَذَا أُسُّ عَقِيدَةِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ أَنَّنَا نَجْهَلُ كُنْهَ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَإِنَّمَا نَعْرِفُهُ بِآثَارِهِ فِي خَلْقِهِ فَالْفَرْقُ بَيْنَنَا لَفْظِيٌّ.

ذَلِكَ - وَإِنَّ تَرْتِيبَ النَّظْمِ يَلْتَئِمُ مَعَ التَّأْوِيلِ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي السِّيَاقِ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ الَّتِي وَرَدَتْ بِصِيغَةِ الْحِكَايَةِ وَبَرَزَتْ فِي صُورَةِ التَّمْثِيلِ جَاءَتْ عَقِبَ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) (٢: ٢٩) وَبَقِيَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ

فِي الدَّرْسِ وَقَدْ سَبَقَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ قُوَّةٍ مِنْ قُوَى هَذِهِ الْأَرْضِ وَكُلَّ نَامُوسٍ مِنْ نَوَامِيسِ الطَّبِيعَةِ فِيهَا خُلِقَ خَاضِعًا لِلْإِنْسَانِ، وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ مُسْتَعِدًّا لِتَسْخِيرِهِ لِمَنْفَعَتِهِ إِلَّا قُوَّةَ الْإِغْرَاءِ بِالشَّرِّ، وَنَامُوسَ الْوَسْوَسَةِ بِالْإِغْرَاءِ الَّذِي يَجْذِبُ الْإِنْسَانَ دَائِمًا إِلَى شَرِّ طِبَاعِ الْحَيَوَانِ، وَيُعِيقُهُ عَنْ بُلُوغِ كَمَالِهِ الْإِنْسَانِيِّ، فَالظَّاهِرُ مِنَ الْآيَاتِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَغْلِبُ هَذِهِ الْقُوَّةَ وَلَا يُخْضِعُهَا مَهْمَا ارْتَقَى وَكَمُلَ، وَقُصَارَى مَا يَصِلُ إِلَيْهِ الْكَامِلُونَ هُوَ الْحَذَرُ مِنْ دَسَائِسِ الْوَسْوَسَةِ وَالسَّلَامَةُ مِنْ سُوءِ عَاقِبَتِهَا بِأَلَّا يَكُونَ لَهَا سُلْطَانٌ عَلَى نَفْسِ الْكَامِلِ تَجْعَلُهُ مُسَخَّرًا لَهَا وَتَسْتَعْمِلُهُ بِالشُّرُورِ كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) (١٧: ٦٥) وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (٧: ٢٠١) ثُمَّ زَادَ الْأُسْتَاذُ هُنَا قَوْلَهُ: (أَمَّا سُلْطَانُ تِلْكَ الْقُوَّةِ فِي الْفَنَاءِ وَقَطْعِ حَرَكَةِ الْوُجُودِ إِلَى الصُّعُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُ إِخْضَاعَهُ لِقُدْرَتِهِ مِنَ الْبَشَرِ كَامِلٌ، وَلَا يُقَاوِمُ نُفُوذَهُ عَامِلٌ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَهَذَا حُكْمُهَا فِي الْكَائِنَاتِ، إِلَى أَنْ تَبَدَّلَ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ) فَنَسْأَلُ اللهَ - تَعَالَى - أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى وَالْبَصِيرَةِ وَأَنْ يُعِيذَنَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.

(وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>