للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)

لَا يَزَالُ الْكَلَامُ فِي الْكِتَابِ وَكَوْنِهِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَبَيَانِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَأَصْنَافِهِمْ فِي أَمْرِهِ، وَقَدْ قُلْنَا: إِنَّ التَّفَنُّنَ فِي مَسَائِلَ مُخْتَلِفَةٍ مُنْتَظِمَةٍ فِي سِلْكِ مَوْضُوعٍ وَاحِدٍ هُوَ مِنْ أَنْوَاعِ بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ وَخَصَائِصِهِ الْمُدْهِشَةِ الَّتِي لَمْ تَسْبِقُ لِبَلِيغٍ، وَلَنْ يَبْلُغَ شَأْوَهُ فِيهَا بَلِيغٌ، ذَكَرَ الْكِتَابَ أَنَّهُ لَا رَيْبَ فِيهِ، ثُمَّ ذَكَرَ اخْتِلَافَ النَّاسِ فِيهِ فَابْتَدَأَ بِالْمُسْتَعِدِّينَ لِلْإِيمَانِ بِهِ الْمُنْتَظِرِينَ لِلْهُدَى الَّذِي يُضِئُ نُورُهُ مِنْهُ، وَثَنَّى بِالْمُؤْمِنِينَ، وَثَلَّثَ بِالْكَافِرِينَ، وَقَفَّى عَلَيْهِمْ بِالْمُنَافِقِينَ، ثُمَّ ضَرَبَ الْأَمْثَالَ لِفِرَقِ الصِّنْفِ الرَّابِعِ، ثُمَّ طَالَبَ النَّاسَ كُلَّهُمْ بِعِبَادَتِهِ، ثُمَّ أَقَامَ الْبُرْهَانَ عَلَى كَوْنِ الْكِتَابِ مُنَزَّلًا مِنَ اللهِ عَلَى عَبْدِهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَتَحَدَّى الْمُرْتَابِينَ بِمَا أَعْجَزَهُمْ، ثُمَّ حَذَّرَ وَأَنْذَرَ، وَبَشَّرَ وَوَعَدَ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمَثَلَ وَالْقُدْوَةَ وَهُوَ الرَّسُولُ، وَذَكَرَ اخْتِلَافَ النَّاسِ فِيهِ كَمَا ذَكَرَ اخْتِلَافَهُمْ فِي الْكِتَابِ، ثُمَّ حَاجَّ الْكَافِرِينَ، وَجَاءَهُمْ بِأَنْصَعِ الْبَرَاهِينِ، وَهُوَ إِحْيَاؤُهُمْ مَرَّتَيْنِ وَإِمَاتَتُهُمْ مَرَّتَيْنِ، وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لِمَنَافِعِهِمْ، ثُمَّ ذَكَرَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ وَبَيَّنَ أَطْوَارَهُ، ثُمَّ طَفِقَ يُخَاطِبُ الْأُمَمَ وَالشُّعُوبَ الْمَوْجُودَةَ فِي الْبِلَادِ الَّتِي ظَهَرَتْ فِيهَا النُّبُوَّةُ تَفْصِيلًا، فَبَدَأَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ بِذِكْرِ الْيَهُودِ لِلْمَعْنَى الَّذِي نَذْكُرُهُ، وَالْكَلَامُ لَمْ يَخْرُجْ بِهَذَا التَّنْوِيعِ عَنِ انْتِظَامِهِ فِي سِلْكِهِ، وَحُسْنِ اتِّسَاقِهِ فِي سَبْكِهِ، فَهُوَ دَائِرٌ عَلَى قُطْبٍ وَاحِدٍ فِي فَلَكِهِ، وَهُوَ الْكِتَابُ، وَالْمُرْسَلُ بِهِ، وَحَالُهُ مَعَ الْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ، قَالَ - تَعَالَى -:

(يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) (أَقُولُ) : إِسْرَائِيلُ لَقَبُ نَبِيِّ اللهِ يَعْقُوبَ ابْنِ نَبِيِّهِ إِسْحَاقَ ابْنِ نَبِيِّهِ وَخَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ (عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) قِيلَ: مَعْنَاهُ الْأَمِيرُ الْمُجَاهِدُ مَعَ اللهِ. وَالْمُرَادُ بِبَنِيهِ ذُرِّيَّتُهُ مِنْ أَسْبَاطِهِ الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَأُطْلِقَ عَلَيْهِمْ لَقَبُهُ فِي كُتُبِهِمْ وَتَوَارِيخِهِمْ، كَمَا تُسَمِّي الْعَرَبُ الْقَبِيلَةَ كُلَّهَا بِاسْمِ جَدِّهَا الْأَعْلَى. وَلَمَّا كَانَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ أَوَّلَ السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ الطُّوَلِ، وَكَانَ جُلُّ يَهُودِ بِلَادِ الْعَرَبِ فِي جِوَارِهَا دَعَاهُمُ اللهُ - تَعَالَى - فِيهَا إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَقَامَ

<<  <  ج: ص:  >  >>