للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ وَأَمْثَالُهُ، لِأَنَّ لَهُ نَظِيرًا ذَكَرُوهُ فِي تَفْسِيرِهَا وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ فِرْعَوْنَ (وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ٧: ١٢٧) وَبَدِيهِيٌّ أَنَّهُ يَعْنِي فَوْقِيَّةَ الْمَكَانَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ لَا الْمَكَانَ، وَلَوِ اكْتَفَوْا بِهَذَا لَكَانَ حَسَنًا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا نُقِلَ عَنْ مُفَسِّرِي السَّلَفِ كَابْنِ جَرِيرٍ، وَلَكِنَّ مِنْهُمْ مَنْ شَنَّعَ عَلَى السِّلْفِ الصَّالِحِينَ وَسَمَّاهُمْ حَشْوِيَّةً لِعَدَمِ تَأْوِيلِهِمُ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ النَّاطِقَةَ بِإِثْبَاتِ صِفَةِ الْعُلُوِّ الْمُطْلَقِ لِلَّهِ تَعَالَى،

فَسَلَفُ الْأُمَّةِ يُمِرُّونَ هَذِهِ الْآيَاتِ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ وَيَقُولُونَ: إِنَّ اللهَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ وَفَوْقَ الْعَالَمِ كُلِّهِ لَا فَوْقَ كُلِّ شَخْصٍ وَحْدَهُ، وَهُوَ بِهَذَا بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَإِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فَلَيْسَ بِمُحَاوِدٍ وَلَا مَحْصُورٍ وَلَا مُتَحَيِّزٍ، فَهَذِهِ اللَّوَازِمُ الَّتِي يَبْنِي عَلَيْهَا الْجَهْمِيَّةُ وَتَلَامِيذُهُمْ تَأْوِيلَ صِفَةِ الْعُلُوِّ مَبْنِيَّةٌ كُلُّهَا عَلَى قِيَاسِ الْخَالِقِ عَلَى الْمَخْلُوقِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ جَمِيعَ مَا أُطْلِقَ عَلَى اللهِ تَعَالَى مِنَ الصِّفَاتِ حَتَّى الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ فَإِنَّمَا وُضِعَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ لِصِفَاتِ الْبَشَرِ وَهِيَ مُبَايِنَةٌ لِصِفَاتِ اللهِ تَعَالَى، فَلِمَاذَا يَخُصُّونَ بَعْضَهَا بِالتَّأْوِيلِ دُونَ بَعْضٍ؟ فَالْحَقُّ الَّذِي مَضَى عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى وُصِفَ بِكُلِّ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَوَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ جَمِيعَ تِلْكَ الصِّفَاتِ تُطْلَقُ عَلَيْهِ مَعَ تَنْزِيهِهِ عَنْ مُشَابَهَةِ مَنْ تُطْلَقُ عَلَيْهِمْ أَلْفَاظُهَا مِنَ الْخَلْقِ، فَعِلْمُ اللهِ وَقُدْرَتُهُ وَكَلَامُهُ وَعُلُوُّهُ وَسَائِرُ صِفَاتِهِ شُئُونٌ تَلِيقُ بِهِ لَا تُشْبِهُ عِلْمَ الْمَخْلُوقِينَ وَقُدْرَتَهُمْ وَكَلَامَهُمْ وَعُلُوَّ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. وَقَدِ انْتَهَى سُخْفُ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي التَّأْوِيلِ إِلَى جَعْلِ صِفَاتِ الْبَارِي تَعَالَى سَلْبِيَّةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْبَحْثِ، وَسَنَعُودُ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

ثُمَّ خَتَمَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الْأَقْوَالَ أَوِ الْأَوَامِرَ الْقَوْلِيَّةَ الْمُبَيِّنَةَ لِحَقِيقَةِ الدِّينِ وَدَلَائِلِهِ بِشَهَادَتِهِ لِرَسُولِهِ وَشَهَادَةِ رَسُولِهِ لَهُ فَقَالَ:

(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) أَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ أَوْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " جَاءَ النَّحَّامُ بْنُ زَيْدٍ وَقَرْدَمُ بْنُ كَعْبٍ وَبَحْرِيُّ بْنُ عَمْرٍو مِنَ الْيَهُودِ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ مَا نَعْلَمُ مَعَ اللهِ إِلَهًا غَيْرَهُ. فَقَالَ: " لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ بِذَلِكَ بُعِثْتُ وَإِلَى ذَلِكَ أَدْعُو " فَأَنْزَلَ اللهُ فِي قَوْلِهِمْ: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً) الْآيَةَ كَذَا فِي لُبَابِ النُّقُولِ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لَا تَصِحُّ، فَفِي سَنَدِهَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ: مَدَنِيٌّ مَجْهُولٌ تَفَرَّدَ عَنْهُ ابْنُ إِسْحَاقَ اهـ. وَابْنُ جَرِيرٍ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ السُّورَةَ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ دُفْعَةً وَاحِدَةً إِلَّا مَا اسْتُثْنِيَ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْهُ.

وَأَمَّا مَعْنَى الْآيَةِ فَهُوَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْأَلَ كُفَّارَ قُرَيْشٍ: أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً وَأَعْظَمُهَا وَأَجْدَرُ بِأَنْ تَكُونَ أَصَحَّهَا وَأَصْدَقَهَا؟ ثُمَّ أَمَرَهُ بِأَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>