للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِلَّذِينِ أَشْرَكُوا مِنْهُمْ وَهُمْ أَشَدُّهُمْ ظُلْمًا أَيْنَ الشُّرَكَاءُ الَّذِينَ كَانُوا يُضَافُونَ إِلَيْكُمْ لِاتَّخَاذِكُمْ إِيَّاهُمْ أَوْلِيَاءَ فِيكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ فِي الدُّنْيَا أَنَّهُمْ شُرَكَاءُ لِلَّهِ يُدْعَوْنَ وَيُسْتَعَانُونَ كَمَا يُدْعَى وَيُسْتَعَانُ، وَأَنَّهُمْ يُقَرِّبُونَكُمْ إِلَى اللهِ زُلْفَى وَيَشْفَعُونَ لَكُمْ عِنْدَهُ؟ فَأَيْنَ ضَلُّوا عَنْكُمْ فَلَا يُرَوْنَ مَعَكُمْ؟ كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: (وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ٦: ٩٤) وَقَدْ قَرَأَ يَعْقُوبُ (يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ) بِالْيَاءِ وَالْمَعْنَى ظَاهِرٌ وَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّوْبِيخِ وَالِاحْتِجَاجِ. .

(ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ

عَامِرٍ وَحَفْصٌ " لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ " بِالتَّاءِ وَالرَّفْعِ، وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو بَكْرٍ عَنْهُ بِالتَّاءِ وَالنَّصْبِ وَالْبَاقُونَ " لَمْ يَكُنْ فِتْنَتُهُمْ " بِالتَّاءِ وَالرَّفْعِ، وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو بَكْرٍ عَنْهُ بِالتَّاءِ وَالنُّصْبِ وَالْبَاقُونَ " لَمْ يَكُنْ فِتْنَتَهُمْ " بِالْيَاءِ وَالنَّصْبِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ فِي الْمَعْنَى، فَإِنَّ بَعْضَهَا يُقَدِّمُ اسْمَ تَكُنْ عَلَيْهَا وَبَعْضَهَا يُؤَخِّرُهُ، وَبَعْضَهُمْ يُذَكِّرُ الْفِعْلَ وَبَعْضَهُمْ يُؤَنِّثُهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ " رَبَّنَا " بِالْفَتْحِ عَلَى النِّدَاءِ أَيْ يَا رَبَّنَا. وَالْبَاقُونَ بِالْجَرِّ عَلَى الصِّفَةِ. وَالْفِتْنَةُ الِاخْتِبَارُ، وَفُسِّرَتْ هُنَا بِالْقَوْلَةِ وَالْكَلَامِ وَالْجَوَابِ وَبِالشِّرْكِ وَقَدَّرَ بَعْضُهُمْ مُضَافًا مَحْذُوفًا فَقَالَ: إِنَّ الْمَعْنَى ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عَاقِبَةُ هَذَا الِاخْتِبَارِ أَوِ الشِّرْكِ إِلَّا إِقْسَامَهُمْ بِاللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّهُمْ مَا كَانُوا مُشْرِكِينَ.

ظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ فِي بَعْضِ مَوَاقِفِ الْحَشْرِ شِرْكَهُمْ بِاللهِ تَوَهُّمًا مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِهِ فِي بَعْضِهَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ آيَاتٍ أُخْرَى، وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ هَذَا الْمَعْنَى، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْإِنْكَارَ فِي الْقِيَامَةِ مُتَعَذِّرٌ، وَبِأَنَّ اعْتِرَافَهُمْ بِالشِّرْكِ ثَابِتٌ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُمْ: (هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ) (١٦: ٨٦) وَقَوْلِهِ: (وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا) (٤: ٤٢) ورُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنِ الْآيَةِ وَعَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (ولا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا) فَقَالَ: أَمَّا قَوْلُهُ: (وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) فَخَتَمَ اللهُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتَكَلَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ (وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا) وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ فِي اعْتِقَادِنَا لِأَنَّنَا مَا كُنَّا نَدْعُو غَيْرَكَ اسْتِقْلَالًا بَلْ تَوَسُّلًا إِلَيْكَ، لِيَكُونَ مَنْ نَدْعُوهُمْ شُفَعَاءَ لَنَا عِنْدَكَ يُقَرِّبُونَنَا إِلَيْكَ زُلْفَى، لِأَنَّنَا كُنَّا نَسْتَصْغِرُ أَنْفُسَنَا أَنْ تَتَسَامَى إِلَى دُعَائِكَ كِفَاحًا بِلَا وَاسِطَةٍ وَمَا هَذَا إِلَّا تَعْظِيمٌ لَكَ. وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ أَنَّهُ لَا يَلْتَئِمُ مَعَ قَوْلِهِ بَعْدَ هَذِهِ الْحِكَايَةِ عَنْهُمْ: (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) وَأُجِيبُ عَنِ الْإِيرَادِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي دَارِ الدُّنْيَا بِزَعْمِهِمْ أَنَّهُمُ اتَّخَذُوا شُفَعَاءَ يَشْفَعُونَ لَهُمْ عِنْدَ اللهِ وَأَنَّ هَذَا تَعْظِيمٌ لِلَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>