للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمَنْصُوصَ عَلَى عِلَّتِهِ فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ وَمَا قُطِعَ فِيهِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ هُوَ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا وَجْهَ لِلْخِلَافِ فِيهِ - وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ لَا يُسَمِّيهِ قِيَاسًا - وَأَنَّ قِيَاسَ الشَّبَهِ وَنَحْوَهُ مِنَ الْأَقْيِسَةِ الْبَعِيدَةِ عَنِ النُّصُوصِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَرَاجِعْ تَفْصِيلِ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ الْأُولَى وَالْآيَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ مِنْ " سُورَةِ الْمَائِدَةِ ".

(وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أَمَرَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ بِهَذَا الْإِنْذَارِ الْخَاصِّ بَعْدَ أَمْرِهِ بِتَبْلِيغِ النَّاسِ حَقِيقَةَ رِسَالَتِهِ، وَكَوْنِهَا لَا تَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنَ التَّصَرُّفِ وَالْعِلْمِ مَا لَا يَكُونُ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَا أَنْ يَكُونَ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَالْمُنَاسَبَةُ بَيْنَهَا أَنَّ الْمَوْصُوفِينَ بِمَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ

أَجْدَرُ مِنْ غَيْرِهِمْ بِفَهْمِ حَقِيقَةِ الرِّسَالَةِ وَالِانْتِفَاعِ بِنَذْرِ الرَّسُولِ، فَهِيَ كَقَوْلِهِ: (إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ) (٣٥: ١٨) وَقَوْلُهُ: (إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ) (٣٦: ١١) أَيْ: وَأَنْذِرْ بِمَا يُوحَى إِلَيْكَ جَمَاعَةَ الْمُؤْمِنِينَ بِكَ، الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ، أَيْ: يَخَافُونَ شِدَّةَ وَطْأَةِ الْحَشْرِ وَالْقُدُومَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَا فِيهِ مِنْ شِدَّةِ الْحِسَابِ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنَ الْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ فِي يَوْمٍ (لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ) (٢: ٢٥٤) (يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرَ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) (٨٢: ١٩) وَكُلٌّ يَأْتِيهِ فِيهِ فَرْدًا لَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ يَنْصُرُهُ، وَلَا شَفِيعٌ يَدْفَعُ عَنْهُ، إِذْ أَمْرُ النَّجَاةِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى مَرْضَاتِهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ يُرْجَى أَنْ يَتَّقُوا اللهَ تَعَالَى اهْتِدَاءً بِإِنْذَارِكَ، وَيَتَحَرَّوْا مَا يُؤَدِّي إِلَى مَرْضَاتِهِ، لَا يَصُدُّهُمْ عَنْ تَقْوَاهُ الِاتِّكَالُ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ، وَلَا الِاعْتِمَادُ عَلَى الشُّفَعَاءِ؛ لِصِحَّةِ تَوْحِيدِهِمْ، وَعِلْمِهِمْ أَنَّ الشَّفَاعَةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) (١: ٣) (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) (٢١: ٢٨) وَأَنَّ نَجَاتَهُمْ وَسَعَادَتَهُمْ إِنَّمَا تَكُونُ بِإِيمَانِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ وَتَزْكِيَتِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ لَا بِانْتِفَاعِهِمْ بِصَلَاحِ غَيْرِهِمْ، أَوِ اعْتِمَادِهِمْ عَلَى شَفَاعَةِ الشُّفَعَاءِ لَهُمْ، كَالْمُشْرِكِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ جَهِلُوا أَنَّ مَدَارَ سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ عَلَى تَزَكِّي النَّفْسِ وَطِهَارَتِهَا بِالْإِيمَانِ الصَّحِيحِ وَالْأَخْلَاقِ الْكَرِيمَةِ، وَمَا يَلْزَمُ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا رِضَاءُ اللهِ عَنْهَا لَا عَلَى أَمْرٍ خَارِجٍ عَنِ النَّفْسِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِيهَا.

هَذَا مَا يَتَبَادَرُ إِلَى الْفَهْمِ مِنْ مَعْنَى الْآيَةِ مُؤَيَّدًا بِآيَاتٍ كَثِيرَةٍ أُخْرَى، بَلْ بِجُمْلَةِ الدِّينِ وَكُلِّيَّاتِهِ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا آنِفًا، وَبِنَحْوِهِ فَسَّرَهَا الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ الْمَأْثُورِ، وَهَاكَ نَصُّ عِبَارَتِهِ: أَيْ: وَأَنْذِرْ بِالْقُرْآنِ يَا مُحَمَّدُ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ، الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ، (الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ) أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، (لَيْسَ لَهُمْ) أَيْ يَوْمَئِذٍ (مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ) أَيْ لَا قَرِيبَ لَهُمْ وَلَا شَفِيعَ فِيهِمْ مِنْ عَذَابِهِ إِنْ أَرَادَهُ بِهِمْ، (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>