للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهِيَ التُّرْسُ يُسْتَرُ بِهِ مَا يُحَاوِلُ الْعَدُوُّ ضَرْبَهُ مِنَ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَغَيْرِهَا، وَالْجَنَّةُ - بِالْفَتْحِ - وَهِيَ الْبُسْتَانُ الَّذِي يَسْتُرُ الشَّجَرَ أَرْضَهُ مِنَ الشَّمْسِ. وَالْكَوْكَبُ وَالْكَوْكَبَةُ وَاحِدُ الْكَوَاكِبِ، وَهِيَ النُّجُومُ. وَالْفَلَكِيُّونَ يُطْلِقُونَ الْمُؤَنَّثَ عَلَى الْمَجْمُوعَةِ الْمُعَيَّنَةِ مِنْهَا، وَالْعَرَبُ تُطْلِقُهُ عَلَى الزُّهَرَةِ، كَمَا غَلَبَ إِطْلَاقُ النَّجْمِ مُعَرَّفًا عَلَى الثُّرَيَّا، وَلَمْ يُنْقَلْ إِلَيْنَا تَأْنِيثُ النَّجْمِ، وَالْعَامَّةُ تَقُولُ نَجْمَةٌ.

وَالْمَعْنَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَمَّا بَدَأَ يُرِيهِ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ تِلْكَ الْإِرَاءَةِ الَّتِي عَلَّلَهَا بِمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، كَانَ مِنْ أَوَّلِ أَمْرِهِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَظْلَمَ عَلَيْهِ اللَّيْلُ، وَسَتَرَهُ أَوْ سَتَرَ عَنْهُ مَا حَوْلَهُ مِنْ عَالَمِ الْأَرْضِ نَظَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاءِ، فَرَأَى كَوْكَبًا عَظِيمًا مُمْتَازًا عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ بِإِشْرَاقِهِ وَجَذْبِ النَّظَرِ إِلَيْهِ - يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَنْكِيرُ الْكَوْكَبِ - وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ

أَنَّهُ الْمُشْتَرَى الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ آلِهَةِ بَعْضِ عُبَّادِ الْكَوَاكِبِ مِنْ قُدَمَاءِ الْيُونَانِ وَالرُّومِ، وَكَانَ قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ سَلَفُهُمْ وَأَئِمَّتُهُمْ فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ، وَعَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ الزُّهَرَةُ. فَمَاذَا قَالَ لَمَّا رَآهُ؟ (قَالَ هَذَا رَبِّي) أَيْ مَوْلَايَ وَمُدَبِّرُ أَمْرِي، قِيلَ: إِنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ فِي مَقَامِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ لِنَفْسِهِ، وَقِيلَ: فِي مَقَامِ الْمُنَاظِرَةِ وَالْحِجَاجِ لِقَوْمِهِ، وَاعْتَمَدَ مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ عَلَى مَا رُوِيَ فِي التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ مِنْ عِبَادَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِهَذِهِ الْكَوَاكِبِ فِي صِغَرِهِ اتِّبَاعًا لِقَوْمِهِ، حَتَّى أَرَاهُ اللهُ تَعَالَى بَعْدَ كَمَالِ التَّمْيِيزِ حُجَّتَهُ عَلَى بُطْلَانِ عِبَادَتِهَا، وَالِاسْتِدْلَالِ بِأُفُولِهَا وَتَعَدُّدِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهَا عَلَى تَوْحِيدِ خَالِقِهَا، وَأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ كَانَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَدَعْوَتِهَا. وَمِنْهُ قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ مَرْوِيَّةٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَقَ فِيهَا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَدَتْهُ أُمُّهُ فِي مَغَارَةٍ أَخْفَتْهُ فِيهَا خَوْفًا عَلَيْهِ مِنْ مَلِكِهِمْ نَمْرُودَ بْنِ كَنْعَانَ أَنْ يَقْتُلَهُ، إِذْ كَانَ أَخْبَرَهُ الْمُنَجِّمُونَ بِأَنْ سَيُولَدُ فِي قَرْيَتِهِ غُلَامٌ يُفَارِقُ دِينَهُمْ، وَيُكَسِّرُ أَصْنَامَهُمْ، فَشَرَعَ يَذْبَحُ كُلَّ غُلَامٍ وُلِدَ فِي الشَّهْرِ الَّذِي وَصَفَ أَصْحَابُ النُّجُومِ مِنَ السَّنَةِ الَّتِي عَيَّنُوا، وَفِيهَا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ يَشِبُّ فِي الْيَوْمِ كَمَا يَشِبُّ غَيْرُهُ فِي شَهْرٍ، وَفِي الشَّهْرِ كَمَا يَشِبُّ غَيْرُهُ فِي سَنَةٍ، وَأَنَّهُ طُلِبَ مِنْ أُمِّهِ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ وِلَادَتِهِ أَنْ تُخْرِجَهُ مِنَ الْمَغَارَةِ، فَأَخْرَجَتْهُ عِشَاءً، فَنَظَرَ وَتَفَكَّرَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ - وَذَكَرَ رُؤْيَتَهُ لِلْكَوَاكِبِ، فَالْقَمَرِ، فَالشَّمْسِ. . . وَلَاشَكَّ فِي أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ مَوْضُوعَةٌ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ أَخَذَهَا عَنْ بَعْضِ الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا يُلَقِّنُونَ الْمُسْلِمِينَ أَمْثَالَ هَذِهِ الْقِصَصِ لِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ، فَتَبْطُلُ ثِقَةُ يَهُودَ وَغَيْرِهِمْ بِهِمْ. وَرَوَى نَحْوَهُ أَبُو حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ. وَالسُّدِّيُّ الْمُفَسِّرُ كَذَّابٌ مَعْرُوفٌ كَمَا قَالَ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ، وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ. وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ تَفْسِيرِ " هَذَا رَبِّي " بِالْعِبَادَةِ فَلَا يَصِحُّ، وَهُوَ مِنْ مَرَاسِيلِ عَلِيِّ بْنِ طَلْحَةَ مَوْلَى بَنِي الْعَبَّاسِ، وَقَدْ رَوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَفْسِيرًا كَثِيرًا وَلَمْ يَرَهُ، وَقَالَ فِيهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَهُ أَشْيَاءُ مُنْكَرَاتٍ. وَقَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ: صَدُوقٌ يُخْطِئُ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ الرَّاوِي عَنْهُ مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ لَيَّنَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَلَمْ يَرْضَهُ الْبُخَارِيُّ، وَلَا ابْنُ الْقَطَّانِ، فَكَيْفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>