للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَقُولُ: إِنَّهُ لَيْسَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَّ فِيهِ عَلَى كَوْنِ مَا ذُكِرَ مَسْخًا لِصُوَرِهِمْ وَأَجْسَادِهِمْ. وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ قَوْلَ مُجَاهِدٍ فِي أَنَّ الْمَسْخَ مَعْنَوِيٌّ، وَقَوْلَ الْآخَرِينَ إِنَّهُ صُوَّرِيٌّ، ثُمَّ قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَعْنَوِيٌّ صُوَّرِيٌّ، فَمَا مُرَادُهُ بِذَلِكَ؟ .

(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ)

هَذِهِ الْقِصَّةُ مِمَّا أَرَادَ اللهُ - تَعَالَى - أَنْ يَقُصَّهُ عَلَيْنَا مِنْ أَخْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي قَسْوَتِهِمْ وَفُسُوقِهِمْ لِلْاعْتِبَارِ بِهَا. وَمِنْ وُجُوهِ الِاعْتِبَارِ: أَنَّ التَّنَطُّعَ فِي الدِّينِ وَالْإِحْفَاءَ فِي السُّؤَالِ، مِمَّا يَقْتَضِي التَّشْدِيدَ فِي الْأَحْكَامِ، فَمَنْ شَدَّدَ شُدِّدَ عَلَيْهِ؛ وَلِذَلِكَ نَهَى اللهُ - تَعَالَى - هَذِهِ الْأُمَّةَ عَنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ بِقَوْلِهِ: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ

أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْهَا وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ) (٥: ١٠١، ١٠٢) وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ((وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ)) وَقَدِ امْتَثَلَ سَلَفُنَا الْأَمْرَ فَلَمْ يُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَكَانَ الدِّينُ عِنْدَهُمْ فِطْرِيًّا سَاذَجًا وَحَنِيفِيًّا سَمْحًا، وَلَكِنْ مِمَّنْ خَلَفَهُمْ مَنْ عَمَدَ إِلَى مَا عَفَا اللهُ عَنْهُ فَاسْتَخْرَجَ لَهُ أَحْكَامًا اسْتَنْبَطَهَا بِاجْتِهَادِهِ، وَأَكْثَرُوا مِنْهَا حَتَّى صَارَ الدِّينُ حِمْلًا ثَقِيلًا عَلَى الْأُمَّةِ فَسَئِمَتْهُ وَمَلَّتْ، وَأَلْقَتْهُ وَتَخَلَّتْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>