للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شِرْكٌ كَدُعَاءِ غَيْرِ اللهِ وَسَائِرِ مَا يُتَوَجَّهُ بِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ لِغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ التَّوَسُّلِ بِذَلِكَ الْغَيْرِ إِلَيْهِ لِيُقَرِّبَ الْمُتَوَسِّلَ إِلَيْهِ زُلْفَى وَيَشْفَعَ لَهُ عِنْدَهُ كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ الْوَثَنِيَّةِ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَوْلِيَاءَ الشَّيَاطِينِ لَمْ يُجَادِلُوا أَحَدًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا

لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ وَلَا اسْمُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ مِنَ الذَّبَائِحِ الْمُعْتَادَةِ الَّتِي لَا يُقْصَدُ بِهَا الْعِبَادَةُ، وَأَنَّ مَنْ يَأْكُلُ هَذِهِ الذَّبَائِحَ لَا يَكُونُ مُشْرِكًا، وَكَذَلِكَ مَنْ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ لَا يَكُونُ مُشْرِكًا بَلْ يَكُونُ عَاصِيًا إِنْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ الْجِدَالُ فِي هَذِهِ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ) فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِذَلِكَ شَيَاطِينَ فَارِسٍ وَمَنْ عَلَى دِينِهِمْ مِنَ الْمَجُوسِ (إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ) مِنْ مَرَدَةِ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، يُوحُونَ إِلَيْهِمْ زُخْرُفَ الْقَوْلِ لِيَصِلَ إِلَى نَبِيِّ اللهِ وَأَصْحَابِهِ فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ. وَرُوِيَ بِسَنَدِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ قَالَ: أَوْحَتْ فَارِسٌ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ أَنْ خَاصِمُوا مُحَمَّدًا وَقُولُوا لَهُ: إِنَّ مَا ذَبَحْتَ فَهُوَ حَلَالٌ وَمَا ذَبَحَ اللهُ فَهُوَ حَرَامٌ؟ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: كَتَبَتْ فَارِسٌ إِلَى مُشْرِكِي قُرَيْشٍ أَنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ أَمْرَ اللهِ فَمَا ذَبَحَ اللهُ بِسِكِّينٍ مِنْ ذَهَبٍ فَلَا يَأْكُلُهُ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ وَأَمَّا مَا ذَبَحُوا هُمْ فَيَأْكُلُونَ. وَذَكَرَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي أَنْفُسِ نَاسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ ذُكِرَ عَنْ بَعْضٍ آخَرَ أَنَّهُمْ أَوَّلُوا الْآيَةَ بِوَسْوَسَةِ شَيَاطِينِ الْجِنِّ لِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ مَا قَالُوهُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي رِوَايَاتٍ أُخْرَى كَرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُمْ: مَا قَتَلَ رَبُّكُمْ فَلَا تَأْكُلُونَهُ وَمَا قَتَلْتُمْ أَنْتُمْ تَأْكُلُونَهُ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ الْآيَةَ فِي ذَلِكَ، أَيْ فِي أَثْنَاءِ السُّورَةِ. وَرَجَّحَ ابْنُ جَرِيرٍ شُمُولَ الْآيَةِ لِلْقَوْلَيْنِ فِي وَحْيِ الشَّيَاطِينِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ فُرُوعِ قَوْلِهِ تَعَالَى قَبْلَهُ: (شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) (١١٢) ثُمَّ ذَكَرَ خِلَافَهُمْ فِي الْمُحَرَّمِ - بِهَذِهِ الْآيَةِ - الْمُرَادِ بِمَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ جَرِيرٍ أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: مَا قَوْلُهُ (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) ؟ قَالَ: يَأْمُرُ بِذِكْرِ اسْمِ اللهِ عَلَيْهِ، قَالَ وَيَنْهَى عَنْ ذَبَائِحَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى الْأَوْثَانِ. ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَاتٍ أُخْرَى وَرَجَّحَ شُمُولَ الْآيَةِ لِمَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ وَالْآلِهَةِ وَمَا مَاتَ أَوْ ذَبَحَهُ مَنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ دُونَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، قَالَ: وَذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ ذَكِيَّةٌ سَمَّوْا عَلَيْهَا أَمْ لَمْ يُسَمُّوا ; لِأَنَّهُمْ أَهْلُ تَوْحِيدٍ وَأَصْحَابُ كُتُبٍ لِلَّهِ يَدِينُونَ بِأَحْكَامِهَا يَذْبَحُونَ الذَّبَائِحَ بِأَدْيَانِهِمْ كَمَا يَذْبَحُ الْمُسْلِمُ بِدِينِهِ سَمَّى اللهَ عَلَى ذَبِيحَتِهِ أَمْ لَمْ يُسَمِّهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَنْ تَرَكَ تَسْمِيَةَ اللهِ عَلَى ذَبِيحَتِهِ عَلَى الدَّيْنُونَةِ بِالتَّعْطِيلِ أَوْ بِعِبَادَةِ شَيْءٍ سِوَى اللهِ فَيَحْرُمُ حِينَئِذٍ أَكْلُ ذَبِيحَتِهِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

وَقَالَ الرَّازِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ مَسَائِلِ الْآيَةِ " نُقِلَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ فَهُوَ حَرَامٌ تَمَسُّكًا بِعُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ. وَأَمَّا سَائِرُ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى تَخْصِيصِ هَذَا الْعُمُومِ بِالذَّبْحِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَا ذُبِحَ وَلَمْ يُذْكَرْ

<<  <  ج: ص:  >  >>