للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْحَمِيرُ وَكُلُّ شَيْءٍ يُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَالْفَرْشُ الْغَنَمُ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ لِلْحَمُولَةِ لُغَوِيٌّ، فَإِنَّ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لَيْسَتْ مِنَ الْأَنْعَامِ، وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْحَمُولَةُ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ، وَالْفَرْشُ الضَّأْنُ وَالْمَعِزُ، ذَكَرَهُ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْهُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ أَنَّ الْفَرْشَ سُمِّيَتْ فَرْشَا لِصِغَرِهَا وَدُنُوِّهَا مِنَ الْأَرْضِ. وَقَالَ الرَّاغِبُ فِي مُفْرَدَاتِهِ: وَالْفَرْشُ مَا يُفْرَشُ مِنَ الْأَنْعَامِ، أَيْ يُرْكَبُ. وَكُنِّيَ بِالْفِرَاشِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ " وَفُلَانٌ كَرِيمُ الْمَفَارِشِ. انْتَهَى. وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِ: (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) (٤٠: ٧٩، ٨٠) وَمِثْلُهُمَا فِي سُورَةِ يس وَفِي سُورَةِ النَّحْلِ.

(كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) مِنْ هَذِهِ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا وَانْتَفِعُوا بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعِ مِنْهَا (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) بِتَحْرِيمِ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللهُ عَلَيْكُمْ وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ إِغْوَائِهِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُنْشِئُ وَالْمَالِكُ لَهَا حَقِيقَةً، وَقَدْ أَبَاحَهَا لَكُمْ وَهُوَ رَبُّكُمْ، فَأَنَّى لِغَيْرِهِ أَنْ يُحَرِّمَ عَلَيْكُمْ مَا لَيْسَ لَهُ خَلْقًا وَإِنْشَاءً وَلَا مُلْكًا، وَلَا هُوَ بِرَبٍّ لَكُمْ فَيَتَعَبَّدَكُمْ بِهِ تَعَبُّدًا، وَالْخُطُوَاتُ جَمْعُ خُطْوَةٍ بِالضَّمِّ وَهِيَ الْمَسَافَةُ الَّتِي بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ، وَمَنْ بَالَغَ فِي اتِّبَاعِ مَاشٍ يَتْبَعُ خُطُوَاتِهِ كُلَّمَا انْتَقَلَ تَأَثَّرَهُ فَوَضَعَ خَطْوَهُ مَكَانَ خَطْوِهِ، وَتَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللهُ مِنْ أَقْبَحِ الْمُبَالَغَةِ فِي اتِّبَاعِ إِغْوَاءِ الشَّيْطَانِ ; لِأَنَّهُ ضَلَالٌ فِي حِرْمَانٍ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَا فِي تَمَتُّعٍ بِالشَّهَوَاتِ كَمَا هُوَ أَكْثَرُ إِغْوَائِهِ.

(إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) هَذَا تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ، أَيْ لَا تَتَّبِعُوهُ لِأَنَّهُ عَدُوٌّ لَكُمْ مِنْ دُونِ الْخَلْقِ مُظْهِرٌ لِلْعَدَاوَةِ، أَوْ بَيِّنُهَا أَيْ ظَاهِرُهَا بِكَوْنِهِ لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِمَا يَفْحُشُ قُبْحُهُ وَيَسُوءُ فِعْلُهُ أَوْ أَثَرُهُ فِي الْحَالِ أَوِ الِاسْتِقْبَالِ، وَبِالِافْتِرَاءِ الْمَحْضِ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (٢: ١٦٩) وَهَذَا حَقٌّ بَيِّنٌ لِكُلِّ مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ وَأَقَامَ الْمِيزَانَ لِخَوَاطِرِهَا، وَمَنْ أَجْهَلُ مِمَّنْ يَتَّبِعُ خُطُوَاتِ عَدُوِّهِ حَتَّى فِي حِرْمَانِ نَفْسِهِ مِنْ مَنَافِعِهَا!

(ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ) نَصَبَ ثَمَانِيَةً عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ حَمُولَةٍ وَفَرْشًا بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِمَا

قِسْمَيْنِ لِجَمِيعِ الْأَنْعَامِ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ. وَالزَّوْجُ يُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَرِينَيْنِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي الْحَيَوَانَاتِ الْمُتَزَاوِجَةِ، وَعَلَى كُلِّ قَرِينَيْنِ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا كَالْخُفِّ، وَالنَّعْلِ، وَعَلَى كُلِّ مَا يَقْتَرِنُ بِآخَرَ مُمَاثِلًا لَهُ أَوْ مُضَادًّا. قَالَ الرَّاغِبُ: وَالِاثْنَانِ زَوْجَانِ. يُقَالُ: لَهُ زَوْجَا حَمَامٍ (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى) (٥٣: ٥٤) وَقَوْلُهُ: (مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ هَذِهِ الْأَزْوَاجِ الثَّمَانِيَةِ، وَتَبْكِيتِهِمْ وَتَجْهِيلِهِمْ عَلَى تَحْرِيمِ بَعْضِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>