للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دُونَ بَعْضٍ بِغَيْرِ مُخَصَّصٍ، أَيْ مِنَ الضَّأْنِ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ هُمَا الْكَبْشُ وَالنَّعْجَةُ، وَمِنَ الْمَعِزِ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ هُمَا التَّيْسُ وَالْعَنَزُ، وَفِي الْمَعِزِ لُغَتَانِ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْبَاقُونَ بِسُكُونِهَا - وَقَدْ بَدَأَ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ بِنَوْعِ الْفَرْشِ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ فِيهِ، وَبِمَا لَا يَصْلُحُ إِلَّا لِلْأَكْلِ مِنْهُ عَلَى الْقَوْلِ بِشُمُولِهِ لِصِغَارِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ ; لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنَاسِبُ فِي مَقَامِ إِنْكَارِ تَحْرِيمِ أَكْلِ بَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ بِغَيْرِ مُخَصِّصٍ، بَعْدَ أَنْ قُدِّمَ فِي الْإِجْمَالِ ذِكْرُ الْحَمُولَةِ لِأَنَّهَا أَهَمُّ مَقَامِ الْخَلْقِ وَالْإِنْشَاءِ وَالْمِنَّةِ بِكَوْنِ خَلْقِهَا أَعْظَمَ وَالِانْتِفَاعِ بِهَا أَعَمَّ، فَإِنَّهَا كَمَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا يُؤْكَلُ مِنْهَا، وَنَاهِيكَ بِسَائِرِ مَنَافِعِهَا وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى تَعْجِيبًا بِخَلْقِ أَعْظَمِ صِنْفَيْهَا: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (٨٨: ١٧) .

(قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ) أَيْ قُلْ لَهُمْ أَيُّهَا الرَّسُولُ: أَحَرَّمَ اللهُ الذَّكَرَيْنِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ وَحْدَهُمَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الْمَفْعُولِ عَلَى عَامِلِهِ، أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ وَحْدَهُمَا، أَمِ الْأَجِنَّةَ الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا أَرْحَامُ إِنَاثِ الزَّوْجَيْنِ كِلَيْهِمَا سَوَاءٌ أَكَانَتْ ذُكُورًا أَمْ إِنَاثًا؟ وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ، أَيْ أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ. وَبِهَذَا السُّؤَالِ التَّفْصِيلِيِّ يَظْهَرُ لِلْمُتَفَكِّرِ فِيهِ مِنْهُمْ أَنَّهُ لَا وَجْهَ يُعْقَلُ لِقَوْلِهِمْ ; لِأَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ بِالذُّكُورَةِ أَوِ الْأُنُوثَةِ أَوِ الْحَمْلِ يَكُونُ لَغْوًا أَوْ جَهَالَةً فَاضِحَةً إِذَا لَمْ يَكُنْ تَعْلِيلًا، وَالتَّعْلِيلُ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ لَا وَجْهَ لَهُ وَيَلْزَمُهُ مَا لَا يَقُولُونَ بِهِ، وَبِعَدَمِهِ يَلْزَمُهُمُ التَّحَكُّمُ فِي أَحْكَامِ اللهِ وَكَوْنُ الِافْتِرَاءِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَدْنَى عِلْمٍ وَلَا عَقْلٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ: (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) أَيْ خَبِّرُونِي بِعِلْمٍ يُؤْثَرُ عَنْ أَحَدِ رُسُلِ اللهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ مُتَلَبِّسَةٍ بِعِلْمٍ يَرْكَنُ إِلَيْهِ الْعَقْلُ بِأَنَّ اللهَ حَرَّمَهَا عَلَيْكُمْ، وَإِلَّا كَانَ تَخْصِيصُ مَا حَرَّمْتُمْ دُونَ أَمْثَالِهِ جَهْلًا مَحْضًا كَمَا أَنَّهُ افْتِرَاءُ كَذِبٍ.

(وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ) الْإِبِلُ اسْمُ جَمْعٍ لِجِنْسِ الْأَبَاعِرِ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ لِأَنَّ اسْمَ الْجَمْعِ الَّذِي لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ إِذَا كَانَ لِمَا لَا يُعْقَلُ لَزِمَهُ التَّأْنِيثُ، وَتَدْخُلُهُ الْهَاءُ إِذَا صُغِّرَ نَحْوُ أُبَيْلَةٍ وَغُنَيْمَةٍ، وَتُسَكَّنُ يَاؤُهُ لُغَةً لِلتَّخْفِيفِ. وَمُفْرَدُهُ بَعِيرٌ وَهُوَ يَقَعُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِثْلُ الْإِنْسَانِ وَلَكِنَّهُ غَلَبَ فِي عُرْفِ الْمُوَلِّدِينَ عَلَى الذَّكَرِ، وَإِنَّمَا الْجَمَلُ اسْمٌ لِلذَّكَرِ كَالرَّجُلِ فِي النَّاسِ، وَالنَّاقَةُ لِلْأُنْثَى كَالْمَرْأَةِ. وَالْبَقَرُ اسْمُ جِنْسٍ وَتُطْلَقُ الْبَقَرَةُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى كَمَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ كَالشَّاةِ مِنَ الْغَنَمِ وَإِنَّمَا الْهَاءُ لِلْوَحْدَةِ، وَالثَّوْرُ الذَّكَرُ مِنَ الْبَقَرِ وَالْأُنْثَى ثَوْرَةٌ وَالْجَمْعُ ثِيرَانٌ وَأَثْوِرَةٌ وَثِيرَةٌ (كَعِنَبَةٍ) وَالْبَقَرُ الْأَهْلِيَّةُ صِنْفَانِ عِرَابٌ وَجَوَامِيسُ وَيُقَابِلُهَا بَقَرُ الْوَحْشِ، وَلَيْسَتْ مِنَ الْأَنْعَامِ وَإِنْ كَانَتْ تُؤْكَلُ، وَالْمُرَادُ بِالذَّكَرَيْنِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَمَا حَمَلَتْ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْغَنَمِ وَالْمَعِزِ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي طَرِيقِ الْإِنْكَارِ الْمُرَادِ مِنَ الِاسْتِفْهَامِ. وَقَدْ لَخَّصَ السَّيِّدُ الْآلُوسِيُّ أَقْوَالَ الْمُفَسِّرِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَحْسَنَ تَلْخِيصٍ بِقَوْلِهِ فِي رُوحِ الْمَعَانِي:

<<  <  ج: ص:  >  >>