للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)

هَذَا ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوبِ غُرُورِهِمْ، عَطَفَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ فَقَالَ: (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً) قِيلَ: هِيَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا مُدَّةُ عِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ، وَالَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْيَهُودِ أَنَّهَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ عُمْرَ الدُّنْيَا عِنْدَهُمْ سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ، فَالْإِسْرَائِيلِيُّ الَّذِي لَا تُدْرِكُهُ الشَّفَاعَةُ يَمْكُثُ فِي النَّارِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ عَنْ كُلِّ أَلْفِ سَنَةٍ يَوْمًا، وَمِثْلُ هَذَا الْحُكْمِ لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ إِلَّا بِعَهْدٍ مِنَ اللهِ - تَعَالَى - مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ وَالْجَزَاءِ، وَإِلَّا كَانَ افْتِئَاتًا عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ، وَقَوْلًا عَلَيْهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَهَذَا مَا رَدَّ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ، وَأَمَرَ رَسُولَهُ أَنْ يُخَاطِبَهُمْ بِهِ بِقَوْلِهِ: (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ) ، أَيْ هَلْ عَهِدَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذَلِكَ وَوَعَدَ بِهِ فَكَانَ حَقًّا لَكُمْ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ عَهْدَهُ؟ وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَبَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: مَعْنَاهُ: هَلِ اتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا بِاتِّبَاعِ شَرِيعَتِهِ اعْتِقَادًا وَائْتِمَارًا وَانْتِهَاءً وَتَخَلُّقًا، فَأَنْتُمْ وَاثِقُونَ بِعَهْدِ اللهِ فِي كِتَابِهِ لِمَنْ كَانَ كَذَلِكَ بِالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ وَدُخُولِ الْجَنَّةِ وَمَغْفِرَةِ مَا عَسَاهُ يَفْرُطُ مِنْهُ مِنَ السَّيِّئَاتِ أَوِ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ مُدَّةً قَصِيرَةً؟ !

وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ، أَيْ لَسْتُمْ عَلَى عَهْدٍ مِنَ اللهِ - تَعَالَى - وَلِذَلِكَ كَذَّبَهُمْ بِقَوْلِهِ: (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) ، أَيْ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ شَيْئًا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ، إِذِ الْعِلْمُ بِمِثْلِهِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِوَحْيٍ مِنْهُ يُبَلِّغُهُ عَنْهُ رُسُلُهُ، وَالْقَوْلُ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ جُرْأَةٌ وَافْتِيَاتٌ عَلَيْهِ وَكُفْرٌ بِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إِذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا: إِمَّا اتِّخَاذُ عَهْدِ اللهِ، وَإِمَّا الْقَوْلُ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَإِذَا كَانَ اتِّخَاذُ الْعَهْدِ لَمْ يَحْصُلْ، تَعَيَّنَ أَنَّكُمْ تَكْذِبُونَ عَلَى اللهِ بِجَهْلِكُمْ وَغُرُورِكُمْ، (بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً) الْآيَةِ، (بَلَى) مُبْطِلَةٌ لِدَعْوَاهُمْ،

وَقَالَ الْأُسْتَاذُ: لِلسَّيِّئَةِ هُنَا إِطْلَاقُهَا، وَخَصَّهَا مُفَسِّرُنَا (الْجَلَالُ) وَبَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ بِالشِّرْكِ، وَلَوْ صَحَّ هَذَا لَمَا كَانَ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: (وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) مَعْنًى؛ فَإِنَّ الشِّرْكَ أَكْبَرُ السَّيِّئَاتِ، وَهُوَ يَسْتَحِقُّ هَذَا الْوَعِيدَ لِذَاتِهِ كَيْفَمَا كَانَ، وَمَعْنَى إِحَاطَةِ الْخَطِيئَةِ هُوَ حَصْرُهَا لِصَاحِبِهَا، وَأَخْذُهَا بِجَوَانِبِ إِحْسَاسِهِ وَوِجْدَانِهِ، كَأَنَّهُ مَحْبُوسٌ فِيهَا لَا يَجِدُ لِنَفْسِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>