للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَتَمَنَّى عَلَى اللهِ " - هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَمَعْنَى " دَانَ نَفْسَهُ " حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ يُحَاسَبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ وَإِنَّمَا يُخَفَّفُ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا اهـ.

وَلَمَّا كَانَ الْجَزَاءُ عَلَى حَسَبِ الْأَعْمَالِ وَهِيَ مُتَفَاوِتَةٌ تَنْضَبِطُ وَتُقَدَّرُ

بِالْوَزْنِ وَإِقَامَةِ الْمِيزَانِ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ.

(وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ) قَالَ الرَّاغِبُ: الْوَزْنُ مَعْرِفَةُ قَدْرِ الشَّيْءِ. يُقَالُ وَزِنْتُهُ وَزْنًا وَزِنَةً. وَالْمُتَعَارَفُ فِي الْوَزْنِ عِنْدَ الْعَامَّةِ مَا يُقَدَّرُ بِالْقِسْطِ وَالْقَبَّانِ اهـ. وَتَفْسِيرُهُ الْوَزْنُ بِالْمَعْرِفَةِ تَسَاهُلٌ، وَإِنَّمَا هُوَ عَمَلٌ يُرَادُ بِهِ تَعَرُّفُ مِقْدَارِ الشَّيْءِ بِالْآلَةِ الَّتِي تُسَمَّى الْمِيزَانَ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْهُ، وَبِالْقِسْطَاسِ وَهُوَ مِنَ الْقِسْطِ وَمَعْنَاهُ النَّصِيبُ الْعَادِلُ أَوْ بِالْعَدْلِ كَمَا قَالَ الرَّاغِبُ، وَأُطْلِقَ عَلَى الْعَدْلِ مَجَازًا، وَكَذَا الْمِيزَانُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانِ) (٤: ١٧) وَقَوْلُهُ فِي الرُّسُلِ كَافَّةً: (وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (٥٧: ٢٥) وَمِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ اسْتَقَامَ مِيزَانُ النَّهَارِ. إِذَا انْتَصَفَ. وَلَيْسَ لِفُلَانِ وَزْنٌ - أَيْ قَدْرٌ لِخِسَّتِهِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا) (١٨: ١٠٥) قَالَ الرَّاغِبُ وَقَوْلُهُ: (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ) (٧: ٨) فَإِشَارَةٌ إِلَى الْعَدْلِ فِي مُحَاسَبَةِ النَّاسِ كَمَا قَالَ: (وَنَضَعُ الْمُوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) (٢١: ٤٧) أَيْ وَلِذَلِكَ. قَالَ عَقِبَهُ (فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (٢١: ٤٧) وَالتَّجَوُّزُ بِالْوَزْنِ وَالْمِيزَانِ فِي الشِّعْرِ كَثِيرٌ.

وَمَعْنَى الْجُمْلَةِ: وَالْوَزْنُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي يَسْأَلُ اللهُ فِيهِ الرُّسُلَ وَالْأُمَمَ، وَيَقُصُّ عَلَيْهِمْ كُلَّ مَا كَانَ مِنْهُمْ، هُوَ الْحَقُّ الَّذِي تَحِقُّ بِهِ الْأُمُورُ وَتُعْرَفُ بِهِ حَقِيقَةُ كُلِّ أَحَدٍ وَمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ. وَذَهَبَ أَكْثَرُ عُلَمَاءِ الْإِعْرَابِ إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى: أَنَّ الْوَزْنَ الْحَقَّ كَائِنٌ يَوْمَئِذٍ، لَا أَنَّ الْوَزْنَ يَوْمَئِذٍ حَقٌّ، فَالْحَقُّ صِفَةٌ لِلْوَزْنِ وَيَوْمَئِذٍ هُوَ الْخَبَرُ عَنْهُ أَوِ الْمَعْنَى وَالْوَزْنُ كَائِنٌ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ الْحَقُّ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ.

(فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) قِيلَ: إِنِ الْمَوَازِينَ جَمْعُ مِيزَانٍ فَهِيَ مُتَعَدِّدَةٌ لِكُلِّ امْرِئٍ مِيزَانٌ وَقِيلَ: لِكُلِّ عَمَلٍ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمِيزَانَ وَاحِدٌ وَأَنَّهُ يُجْمَعُ بِاعْتِبَارِ الْمُحَاسَبِينَ وَهُمُ النَّاسُ أَوْ عَلَى حَدِّ قَوْلِ الْعَرَبِ: سَافَرَ فُلَانٌ عَلَى الْبِغَالِ وَإِنْ رَكِبَ بَغْلًا وَاحِدًا، وَقِيلَ: إِنَّ الْمَوَازِينَ جَمْعُ مَوْزُونٍ، وَالْمَعْنَى فَمَنْ رَجَحَتْ مَوَازِينُ أَعْمَالِهِ بِالْإِيمَانِ وَكَثْرَةِ حَسَنَاتِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ بِالنَّجَاةِ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّعِيمِ فِي دَارِ الثَّوَابِ (وَمَنْ خَفَّتْ مُوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>