للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِلَا عِلْمٍ قَدْ يَتَضَمَّنُ التَّعْطِيلَ وَالِابْتِدَاعَ فِي دِينِ اللهِ فَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الشِّرْكِ، وَالشِّرْكُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهِ، وَلِهَذَا كَانَ الْكَذِبُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوجِبًا لِدُخُولِ النَّارِ، وَاتِّخَاذِ مَنْزِلَةٍ مِنْهَا مُبَوَّأَةٍ، وَهُوَ الْمَنْزِلُ اللَّازِمُ الَّذِي لَا يُفَارِقُهُ صَاحِبُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَضَمِّنٌ لِلْقَوْلِ عَلَى اللهِ بِلَا عِلْمٍ كَصَرِيحِ الْكَذِبِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا انْضَافَ إِلَى الرَّسُولِ فَهُوَ مُضَافٌ إِلَى الْمُرْسِلِ، وَالْقَوْلُ عَلَى اللهِ بِلَا عِلْمٍ صَرِيحٍ: افْتِرَاءُ الْكَذِبِ عَلَيْهِ (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا) فَذُنُوبُ أَهْلِ الْبِدَعِ كُلُّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ هَذَا الْجِنْسِ فَلَا تَتَحَقَّقُ التَّوْبَةُ مِنْهُ إِلَّا بِالتَّوْبَةِ مِنَ الْبِدَعِ، وَأَنَّى بِالتَّوْبَةِ مِنْهَا لِمَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا بِدْعَةٌ، أَوْ يَظُنُّهَا سُنَّةً، فَهُوَ يَدْعُو إِلَيْهَا، وَيَحُضُّ عَلَيْهَا؟ فَلَا تَنْكَشِفُ لِهَذَا ذُنُوبُهُ الَّتِي تَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ مِنْهَا، إِلَّا بِتَضَلُّعِهِ مِنَ السُّنَّةِ وَكَثْرَةِ إِطْلَاعِهِ عَلَيْهَا وَدَوَامِ الْبَحْثِ عَنْهَا وَالتَّفْتِيشِ عَلَيْهَا، وَلَا تَرَى صَاحِبَ بِدْعَةٍ كَذَلِكَ أَبَدًا، فَإِنَّ السُّنَّةَ بِالذَّاتِ تَمْحَقُ الْبِدْعَةَ وَلَا تَقُومُ لَهَا، وَإِذَا طَلَعَتْ شَمْسُهَا فِي قَلْبِ الْعَبْدِ قَطَعَتْ مِنْ قَلْبِهِ ضَبَابَ كُلِّ بِدْعَةٍ، وَأَزَالَتْ ظُلْمَةَ كُلِّ ضَلَالَةٍ، إِذْ لَا سُلْطَانَ لِلظُّلْمَةِ مَعَ سُلْطَانِ الشَّمْسِ. وَلَا يَرَى الْعَبْدُ الْفَرْقَ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ، وَيُعِينُهُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ ظُلْمَتِهَا إِلَى نُورِ السُّنَّةِ، إِلَّا تَجْرِيدُ الْمُتَابَعَةِ، وَالْهِجْرَةُ بِقَلْبِهِ كُلَّ وَقْتٍ إِلَى اللهِ، بِالِاسْتِعَانَةِ وَالْإِخْلَاصِ وَصِدْقِ اللَّجْإِ إِلَى اللهِ، وَالْهِجْرَةِ إِلَى رَسُولِهِ بِالْحِرْصِ عَلَى الْوُصُولِ إِلَى أَقْوَالِهِ وَأَعْمَالِهِ وَهَدْيِهِ وَسُنَّتِهِ " فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ " وَمَنْ هَاجَرَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ حَظُّهُ وَنَصِيبُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ اهـ.

(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)

هَذِهِ الْآيَةُ الثَّالِثَةُ مِمَّا قَفَّى بِهِ عَلَى النِّدَاءِ الثَّالِثِ لِبَنِي آدَمَ، وَوَجْهُ وَصْلِهَا بِمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ فِي الثَّانِيَةِ مَجَامِعَ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَى بَنِي آدَمَ، وَهِيَ أُصُولُ الْمَفَاسِدِ وَالْمَضَارِّ الشَّخْصِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ، فِي إِثْرِ إِبَاحَةِ أُصُولِ الْمَنَافِعِ مِنَ الزِّينَةِ وَالطَّيِّبَاتِ

النَّافِعَةِ لَهُمْ، أَوْ إِيجَابِهَا بِشَرْطِ عَدَمِ الْإِسْرَافِ فِيهَا - وَسَبَقَ هَذِهِ وَتِلْكَ مَا قَفَّى بِهِ عَلَى النِّدَاءِ الثَّانِي مِنْ بَيَانِ أَصْلِ الْأُصُولِ لِمَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ عِبَادَهُ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ، وَهُوَ الْقِسْطُ وَالْعَدْلُ فِي الْآدَابِ وَالْأَعْمَالِ، وَعِبَادَةُ اللهِ وَحْدَهُ بِالْإِخْلَاصِ لَهُ فِي الدِّينِ وَعَقِيدَةِ الْبَعْثِ - وَلَمَّا وَصَلَ مَا هُنَالِكَ بِقَسْمِ النَّاسِ إِلَى فَرِيقَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>