للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَا يَسْتَغْنَوْنَ عَنِ الْأَعْوَانِ وَالْمُسَاعِدِينَ لِجَهْلِهِمْ بِأُمُورِ النَّاسِ وَعَجْزِهِمْ عَنْ مَعْرِفَتِهَا وَقَضَائِهَا بِأَنْفُسِهِمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ هَذَا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ (٦: ٢١ - ٢٤، ٩٣، ٩٤) وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُبْتَدَأٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا) فَيُرَاجَعَانِ فَفِي تَفْسِيرِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا لَيْسَ فِي الْآخَرِ وَلَا هُنَا مِنَ الْفَوَائِدِ وَتَقَدَّمَ مِثْلُ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ فِي آخِرِ آيَةِ (١٤٤) مِنَ الْأَنْعَامِ أَيْضًا وَفَسَّرْنَا الِافْتِرَاءَ عَلَى اللهِ فِيهَا بِمِثْلِ مَا فَسَّرْنَاهُ هُنَا لِمُنَاسَبَةِ السِّيَاقِ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا مِثْلُ هَذِهِ الشَّهَادَةِ مِنَ الْكُفَّارِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي آخِرِ آيَةِ (١٣٠) مِنْهَا.

(قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ) أَيْ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى أَوْ أَحَدُ مَلَائِكَتِهِ بِأَمْرِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِهَؤُلَاءِ الْكَافِرِينَ: ادْخُلُوا مَعَ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ وَمَضَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ. أَوِ ادْخُلُوا فِي ضِمْنِ أُمَمٍ مِثْلِكُمْ قَدْ سَبَقَتْكُمْ كَائِنَةٍ فِي دَارِ الْعَذَابِ. وَقُدِّمَ الْجِنُّ لِأَنَّ شَيَاطِينَهُمْ مُبْتَدِئُو الْإِضْلَالِ وَالْإِغْوَاءِ لِأَبْنَاءِ جِنْسِهِمْ وَلِلْإِنْسِ كَمَا تَقَدَّمَ.

(كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا) هَذَا بَيَانٌ لِشَيْءٍ مِنْ حَالَتِهِمْ فِي دُخُولِ النَّارِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَخَلُّفُهُ بَعْدَ أَمْرِ اللهِ تَعَالَى بِهِ. أَيْ كُلَّمَا دَخَلَتْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فِي النَّارِ وَاسْتَقْبَلَتْ مَا فِيهَا مِنَ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ، لَعَنَتْ أُخْتَهَا فِي الدِّينِ وَالْمِلَّةِ الَّتِي ضَلَّتْ هِيَ بِاتِّبَاعِهَا وَالِاقْتِدَاءِ بِهَا فِي كُفْرِهَا. كَمَا قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ خَلِيلِهِ:

(ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) (٢٩: ٢٥) إِلَخْ.

(حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ) أَيْ حَتَّى إِذَا تَتَابَعُوا وَأَدْرَكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَاجْتَمَعُوا كُلُّهُمْ فِيهَا قَالَتْ أُخْرَى كُلٍّ مِنْهُمْ لِأُولَاهَا وَمُقَدَّمِيهَا فِي الرُّتْبَةِ وَالرِّيَاسَةِ أَوْ فِي الزَّمَنِ أَيْ لِأَجَلِهَا وَفِي شَأْنِهَا - وَإِنَّمَا الْخِطَابُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ - رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا عَنِ الْحَقِّ بِاتِّبَاعِنَا لَهُمْ وَتَقْلِيدِنَا إِيَّاهُمْ فِيمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَسَائِرِ الْأَعْمَالِ، فَأَعْطِهِمْ ضِعْفًا مِنْ عَذَابِ النَّارِ لِإِضْلَالِهِمْ إِيَّانَا فَوْقَ الْعَذَابِ عَلَى ضَلَالِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَكُونَ عَذَابُهُمْ ضِعْفَيْنِ، ضِعْفًا لِلضَّلَالِ وَضِعْفًا لِلْإِضْلَالِ.

(قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ) أَيْ يَقُولُ الرَّبُّ تَعَالَى لَهُمْ: لِكُلٍّ مِنْهُمْ ضِعْفٌ مِنَ الْعَذَابِ بِإِضْلَالِهِ فَوْقَ عَذَابِهِ عَلَى ضَلَالِهِ. كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:

<<  <  ج: ص:  >  >>