للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَفَلَا يَعْتَبِرُونَ بِقَوْلِ رَسُولِهِمْ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: " شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا " أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٢٣: ٦٨، ٦٩) .

تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ وَجَّهَ الْخِطَابَ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِأَجْلِ تَسْلِيَتِهِ وَتَثْبِيتِ فُؤَادِهِ بِمَا فِي قَصَصِ أُولَئِكَ الرُّسُلِ مَعَ أَقْوَامِهِمْ مِنَ الْعِبَرِ وَالسُّنَنِ الَّتِي

بَيَّنَ فِقْهَهَا، وَمَا فِيهَا مِنَ الْحِكَمِ فِي الْآيَاتِ السَّبْعِ الَّتِي قَبْلَهُمَا. قَالَ تَعَالَى:

تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ قَفَى بِهِ عَلَى جُمْلَةِ قَصَصِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ، وَمَا عَطَفَ عَلَيْهَا مِنْ بَيَانِ حِكَمِهَا وَفِقْهِهَا فَكَانَتْ كَالْفَذْلَكَةِ لَهَا، فَالْقُرَى هُنَا هِيَ الْمَعْهُودَةُ فِي هَذِهِ الْقَصَصِ، وَحِكْمَةُ تَخْصِيصِهَا بِالذِّكْرِ أَنَّهَا كَانَتْ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ مِمَّا جَاوَرَهَا، وَكَانَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ مِنَ الْعَرَبِ، وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعَرَبِ الَّذِينَ هُمْ أَوَّلَ مَنْ وُجِّهَتْ إِلَيْهِمْ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ يَتَنَاقَلُونَ بَعْضَ أَخْبَارِهِمْ مُبْهَمَةً مُجْمَلَةً، وَكَانَتْ عَلَى هَذَا كُلِّهِ قَدْ طُبِعَتْ عَلَى غِرَارٍ وَاحِدٍ فِي تَكْذِيبِ الرُّسُلِ، وَالتَّمَارِي فِيمَا جَاءُوا بِهِ مِنَ النُّذُرِ، إِلَى أَنْ حَلَّ بِهِمُ النَّكَالُ، وَأُخِذُوا بِعَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ، فَالْعِبْرَةُ فِيهَا كُلِّهَا وَاحِدَةٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْمُ مُوسَى فَإِنَّهُمْ آمَنُوا، وَإِنَّمَا كَذَّبَ فِرْعَوْنُ وَمَلَؤُهُ فَعُذِّبُوا، وَلِذَلِكَ أَخَّرَ قِصَّتَهُ.

وَالْمَعْنَى: تِلْكَ الْقُرَى الَّتِي بَعُدَ عَهْدُهَا، وَطَالَ الْأَمَدُ عَلَى تَارِيخِهَا، وَجَهَلَ قَوْمُكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ حَقِيقَةَ حَالِهَا، نَقُصُّ عَلَيْكَ الْآنَ بَعْضَ أَنْبَائِهَا، وَهُوَ مَا فِيهِ الْعِبَرُ مِنْهَا، وَإِنَّمَا قَالَ: نَقُصُّ لَا قَصَصْنَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ مَعَ تِلْكَ الْقَصَصِ لَا بَعْدَهَا. وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ أَيْ: وَلَقَدْ جَاءَ أَهْلَ تِلْكَ الْقُرَى رُسُلُهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>