للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَنْ إِرْجَاعِهِمْ عَنْهَا، وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَجُوزُ وُقُوعُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فَيَصِحُّ

نَهْيُهُمْ عَنْهُ تَحْذِيرًا مِنْ وُقُوعِهِمْ فِيهِ بِضَرْبٍ مِنَ الِاجْتِهَادِ، كَالَّذِي وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ بَيْنَ مُوسَى وَهَارُونَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - فِي قِصَّةِ عِجْلِ السَّامِرِيِّ الَّذِي حَكَّاهُ - تَعَالَى - عَنْهُ فِي سُورَةِ طه بِقَوْلِهِ: قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٢٠: ٩٢ - ٩٤) فَالرِّسَالَةُ كَانَتْ لِمُوسَى بِالْأَصَالَةِ، وَلِهَارُونَ بِالتَّبَعِ؛ لِيَكُونَ وَزِيرًا لَا رَئِيسًا، وَمُوسَى هُوَ الَّذِي أُعْطِيَ الشَّرِيعَةَ (التَّوْرَاةَ) وَكَانَ هَارُونُ مُسَاعِدًا لَهُ عَلَى تَنْفِيذِهَا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَمَا كَانَ مُسَاعِدًا لَهُ عَلَى تَبْلِيغِ فِرْعَوْنَ الدَّعْوَةِ، وَإِنْقَاذِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.

وَقَدْ رَوَى الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَاصٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَلِيٍّ - كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ - " أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ " وَذَلِكَ أَنَّهُ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ قَبْلَ خُرُوجِهِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ تَخْلُفُنِي فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ فَقَالَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: رَضِيتُ رَضِيتُ. وَإِنَّمَا قَالَ فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنِ الْخُرُوجِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى تَبُوكَ غَيْرُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ مِنْ ضَعِيفٍ وَمَرِيضٍ إِلَّا مَنِ اسْتَأْذَنَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ.

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِهِ لِمُسْلِمٍ: هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا تَعَلَّقَتْ بِهِ الرَّوَافِضُ وَالْإِمَامِيَّةُ، وَسَائِرُ فِرَقِ الشِّيعَةِ فِي أَنَّ الْخِلَافَةَ كَانَتْ حَقًّا لَعَلِيٍّ، وَأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِهَا، قَالَ: ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَكَفَّرَتِ الرَّوَافِضُ سَائِرَ الصَّحَابَةِ فِي تَقْدِيمِهِمْ غَيْرَهُ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ فَكَفَّرَ عَلِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ بِطَلَبِ حَقِّهِ، وَهَؤُلَاءِ أَسْخَفُ مَذْهَبًا، وَأَفْسَدُ عَقْلًا مِنْ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ. . . . . . إِلَى آخِرِ مَا قَالَ، وَقَدْ ذَكَرْتُ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ لِأُذَكِّرَ الْقَارِئَ بِأَنَّ هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ لَمْ يَقُولَا مَا قَالَا عَنِ اعْتِقَادٍ، بَلْ كَانُوا مِنْ جَمْعِيَّاتِ الْمَجُوسِ، وَالسَّبَئِيِّينَ الَّذِينَ يَبْغُونَ الْفِتْنَةَ لِإِبْطَالِ الْإِسْلَامِ، وَإِزَالَةِ مُلْكِ الْعَرَبِ بِالشِّقَاقِ الدِّينِيِّ، وَأَمَّا الِاسْتِخْلَافُ فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَخْلِفُ عَلَى الْمَدِينَةِ بَعْضَ الصَّحَابَةِ كُلَّمَا خَرَجَ إِلَى غَزْوَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ يَخْتَارُ أَفْضَلَهُمْ لِذَلِكَ، وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْمَنْقَبَةِ لَعَلِيٍّ مَا هُوَ فَوْقَ اسْتِخْلَافِهِ، وَهُوَ جَعْلُهُ أَخًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ اسْتِخْلَافُهُ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ هَارُونَ مَاتَ قَبْلَ مُوسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - قَطْعًا.

وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ أَيْ: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِلْمِيقَاتِ الَّذِي وَقَّتْنَاهُ لَهُ لِلْكَلَامِ وَإِعْطَاءِ الشَّرِيعَةِ، وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ -

عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ بِغَيْرِ وَاسِطَةِ الْمَلَكِ اسْتَشْرَفَتْ نَفْسُهُ الزَّكِيَّةُ الْعَالِيَةُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ فَضِيلَتَيِ الْكَلَامِ وَالرُّؤْيَةِ فَقَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>